كلمة سيادة المتروبوليت باسيليوس منصور الجزيل الاحترام في أحد مريم المصرية




كلمة سيادة المتروبوليت باسيليوس منصور الجزيل الاحترام

الأحد الخامس من الصوم – القديسة مريم المصريّة – 5-4-2020

نقيم اليوم تذكارا لفتاة أخذ العالم بعواطفها ومشاعرها، وامتلك ذهنها، واستعبدها، وهذه الفتاة هي مريم المصرية. وقد رتبت الكنيسة هذا العيد لتعطينا مثالا ورجاء. مثالا لما يفعله الله مع البشر بتحنّنه وعاطفته، وأنّ مسرّته ليست في موت الخاطئ، بل في أن يعود عن طريقه ويحيا. ورجاء إذ إنّ الإنسان مهما توغّل في شروره، متّى توجّه إلى الله بقلب نقيّ، وعاطفة صادقة، وصرخ إليه كما صرخ ذلك الأعمى، ارحمني يا ابن داود، يرسل ربنا يسوع المسيح من جديد نعمة الروح القدس، المعزيّة والمشدّدة أوّلا، وثانيا المطهّرة والمنقيّة، ليلبسنا الثياب البيضاء على ما جاء في سفر الرؤيا.

ونحن نقترب من فرح الشّعانين، ونحن نقترب من الفصح المقدس، رتبت الكنيسة لنا هذا العيد، لنعلن في هذا الأسبوع توبتنا، وليس استعدادنا للفرح بمفهوم الغبطة البشريّة. ففي التوبة الفرح العظيم والرجاء الكبير. لأنّ إلهنا هو الصادق في أقواله والمتغلّب في محاكمته، لا يعد وعدا ويتردد في تنفيذه، هكذا نتعلّم من الكتاب المقدس، ونحن على هذا الرجاء الّذي نعيشه، وليس الّذي ننتظره، تمتلئ نفوسنا فرحا.  والإنسان الّذي يفرح بالنعمة يتعلّم كيف يغيّر من مسالك حياته، لأنّ الإنسان في الخطيئة يصبغ طبيعته، وأعماله بهذه الخطيئة. والّذي يعيش بالتوبة والبرّ والقداسة يصبع حياته، طبيعته، أعماله، وعيشه بهذا التوجّه الحميم، والّذي من تنكّبه لا يمكن أن يخطئ أبدا، لأنّه قد أمسك بتلابيب السيّد الّذي يشفيه من كلّ عاهة، ومن كلّ نزف روحيّ فيه.

الإنسان المؤمن يأتي بالنور الإلهيّ ويسقطه على أعماله، ويجد ما يجب إصلاحه فيصلحه. وهكذا نعمة الروح تغبّط الإنسان على فكره الحسن وتؤنّبه على أيّ فكر غير سويّ قد عبر بفكره. ونحن في هذه الحياة تقسو قلوبنا تقسو أفكارنا، والربّ يصرخ في ظلام أفكارنا، ويقول لنا انتبهوا إنّكم بلا ثمار صالحة، أصلحوا طرقكم أصلحوا حياتكم، عودوا عمّا أنتم فيه إلى ما يجب أن تكونوا فيه.

التائب لا يجلد نفسه، بل يراقب أعماله وأفكاره، ويعرف ذاته بأنه مدعوّ ليعمل عملا بلا حدود، دون أن يصيبه العجب بذاته. مهما فعلتم فقولوا نحن عبيد بطالون. مهما صليتم، مهما تقدّستم، مهما خدمتم، قولوا ما زلنا لم نحقّق شيئا ممّا نحن مدعوون إليه، لنكون على ملء قامة يسوع المسيح.

الناس كثير من المرّات يشعرون "بيفرك دينين"، ونسمع الكثيرين منهم يقولون هذه ضربة من الله للبشريّة، ويقولون أنّ الله قد رأى أنّ الناس ابتعدت وهو يريد أن يعيدهم بالعصا، وهنا نقول ليست مسرّة الله في موت الخاطئ، بل أن يعود عن طريقه ويحيا. 

الإنسان الّذي يعيش في بيئة موبوءة لا يأخذه الله بخطيئته. أبونا آدم رغم ما فعله لم يأخذه الله بخطيئته، بل وعده بأن ينتظره وأن يمهله، وأنّه سيرسل له من يخلصّه ممّا هو فيه، ويسحق رأس الأفعى المتمثّلة بكلّ أنواع الشرّ.   

الله يوقذ الفكر، ويجعل الإنسان ينتبه ويتأمّل، ويتساءل لماذا صار هو فيما صار إليه؟ ولهذا الناس انتبهوا أنّ ما يجري اليوم هو من أعمال أيدينا، هو ممّا جنيناه من أعمال العظماء في العالم، المتكبرون في العالم، المتباهون على الأمم، الّذين يفكرون بالطرق الشّريرة كي يغلبون هذا ويركعون ذاك، وكيف ستزداد قوّتهم وأساطيلهم وأموالهم ومواردهم، وكيف سيسودون على الأمم.  هل تحدّث أحد من الناس عن كاهن مثلا سبب هذا الفيروس بسبب مادة يستعملها، أو صندوق يحمله؟ أو هل أخبركم أحد عن فلاّح سبب هذا الفيروس بسبب طريقة قطافه للزيتون؟ ولكنّنا سمعنا تحليلات كثيرة عن القوى المتصارعة للسيطرة على البشر، بواسطة فيروس لا يرى بالعين المجرّدة ولا بقدرات الناس الطبيعيّة، فخرّب اقتصادات الأمم، وفرّق مجتمعاتها عن بعضها.

الكنيسة تنصح الّذين يحبون الله بالبقاء في البيت، وهذا لصالحهم. لا تجرّب الربّ إلهك، ألم يكن هذا جواب ربنا يسوع المسيح للشرّير؟ قال له الشرير: مكتوب في الكتاب أنّه يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك في كلّ طرقك، على الأيدي يحملونك لئلاّ تعثر بحجر رجلك. قال له يسوع: مكتوب أيضا لا تجرّب الربّ إلهك. وهذا حقّ. النّاس المؤمنون المحبّون لله، لا يقف في وجههم وفي وجه محبّتهم لله شيء، ولكنّهم أيضا ودعاء، طيّبون، يعرفون متى يطيعون ومتى لا يطيعون، وربّنا يسوع قال متى اضطهدتم في مدينة، فاهربوا إلى أخرى. فلنأخذ قضيّة الفيروس كاضطهاد، جاءنا من أفكار العالم الشرّيرة، ومنها ما يقول بضرورة تخفيف عدد سكّان العالم، إذا الفيروس بشكل عام وبغضّ النظر عن منابته يريد تخفيف عدد سكّان العالم، فهل نفتح الطريق للشرير؟ كلا لن نفتح له الطريق؟ سنبقى نصلّي في بيوتنا، وفي كنائسنا، وحيث يجب بكلّ لياقة وترتيب، دون كبرياء سنصلّي لله، ونعلن له أينما كنّا، وأينما يجب أن نكون محبّتنا له، وطلبنا الدّائم للحضور في حضرته، واستمطار نعمه الإلهيّة.

إنّنا نتخّذ من القدّيسة مريم المصريّة، ومن القدّيسين التائبين التوّابين، مثالا لنتوب، فالتّوبة عندنا سرّ عظيم من أسرار الكنيسة، شبّاك النّاس على ملكوت السموات، بوابة الله للمؤمنين للدخول إلى الفردوس، وللعودة إلى بيتهم الأبويّ. نسأل الله أن يهبنا أن نعيش سرّ التوبة بما يرضي الله، لنعيّد الشّعانين والفصح، بسلام واطمئنان، والنّعمة لتكن معكم آمين.

05-Apr-2020