كلمة الراعي: يجب ان لا نهمل - الجزء الرابع




كلمة الراعي

              (يجب أن لا نهمل-الجزء الرابع)

الإخوة والأبناء الأحباء،

... علينا أن لا ننسى ولا نهمل تقديس البيوت بسبب ما أصابنا من فتور روحي، لا بل جليد روحي، إذ دخلت المادة في مفاصل كياننا، وأخذت علينا تفكيرنا. في الخدم الكنسية لا يقوم أي شخص أو بناء أو عمل بدون بركة وتكريس. وأعرف البعض من الذين يسكبون الماء المقدّس في أساسات بيوتهم، وعندما ينتهون من البناء ويأتون ليسكنوا يدعون الكاهن أيضاً لتقديس البيت، وإقامتهم فيه. وفي المصائب أو الكوارث المتتالية يدعون الكاهن لإقامة صلاة تقديس الزيت، وطلب البركة والغفران للمقيمين فيه هذا من غير استبعاد اللجوء الى ما يفيد من العلوم والتحليل وغير ذلك، وفي أغلب الأحيان تكفي صلاة الزيت التي تدعى صلاة القنديل. وتقام هذه الصلاة على المرضى عامة "إن كان فيكم مريضاً فليدعوا قسوس الكنيسة...". كما اننا نقيم صلوات تبريك المواسم. كالبيض والجبن في الفصح، والعنب في التجلي، والقمح في الخريف، وكذلك المحاصيل الزراعية الأخرى. أما في مجال الأطعمة فهذه يتوجب لها موضوع كامل في الآحاد القادمة بعون الله.

لقد نسي، أو كاد أن ينسى الناس سرّ الإعتراف. وذلك أولاً بسبب الكبرياء البشريّة، وتحت تاثير بعض الجماعات القادمة من الغرب، أي أنه ليس من حاجة لسرّ الإعتراف.

الحقيقة المختبرة تؤكد أن لسرّ الإعتراف ضرورة كضرورة الدواء للجسم. فإذا عرف إنسان المرض، وعرف الدواء واستخدامه بغير ما يحدده الطبيب قد يؤدي الى الموت. وهل كل ألم في الرأس سببه مثلاً  الضغط؟ كذلك في سرّ الإعتراف إذا لم يكن الطبيب ماهراً أي الأب الروحي، ومُختبَِراً قد يؤدي الى فشلٍ زريع في حياة الإبن الروحي المعترف. فكيف إذا عالج الإنسان ذاته روحياً لوحده.

وهنا لا بد من التمييز بين الأب الروحي، وأب الإعتراف. الأب الروحي هو أب إعتراف، وكل أب روحي هو في ذات الوقت أب إعتراف. أما أب الإعتراف فهو الكاهن الموثوق من لسانه الدافئ، وعدم تعاطيه مع الأمور بخفة خلال عمله الرعائي، والمعروف بأنه لا يشارك بتناول قضايا الناس مع الناس، بل يتناولها فقط مع الله، والقديسين في الصلاة.

فالإعتراف علمُ النفس، قائم بذاته، ولكن أعمق من علم النفس لأنه يدخل في جذور المشاكل النفسيّة، ويحدد أبعادها الروحيّة.

والأب الروحي هو الذي يعرف متى يوجه أبناءه الروحيين الى أطباء النفس، وتحت مراقبته. لأن علم النفس قد يتعامل بإيجابية مع ضعفات الناس، ويسمح لهم بالغوص فيها بحسب الفلسفة الأبيقورية التي تعلم أنه لكي يشفى الإنسان من خطاياه عليه أن يغوص بها حتى الأعماق فيكرهها.

أعرف حالات لأطباء نفسيين لا يقيمون اعتباراً لكثير من العادات والقيم التي اعتمدت عليها شعوبنا لبناء المجتمعات السليمة. في ذات الوقت أعرف أطباء وعلماء نفس لهم كل الإحترام والتقدير على الحشمة والركازة في تعاملهم غير الخفيف مع مشاكل مرضاهم النفسيّة.

من الأخطاء الشائعة أنه لكي نتناول يجب أن نعترف. نعم هذا صحيح، ولكن ليس في كل الأحوال. لأنه على المؤمن أن يتناول في كل قداس إلهي إذا كان غير مثقل الضمير بخطايا يجب الإقرار بها.

الإعتراف بحد ذاته هو الدواء، فمن اعترف بخطاياه أمام الله تغفر له. ولكن ضرورة الأبوة الروحيّة هي كضرورة الطبيب. كثيرون يعرفون أمراضهم، ويأخذون لها أدوية من غير أن يزوروا طبيباً فتخف الآلام الحاضرة، ولكن هل يشفون، لا بل تستفحل الحالة، وهذا هو الحال مع الضعفات الروحيّة، والسقطات حتى النفسيّة. من أفضل الأدوية النفسيّة هو الرضى عن الذات، وشعور الإنسان أنه قد كسب الرضى الإلهي.

هنا أدعو كل مؤمن أن يسترشد أباً روحياً في حياته على أقل تعديل أربع مرّات في السنة. وعلى الإنسان أن يحدد أباه الروحي بعد التأكد من صدقه وخبرته.

شيء آخر يجب أن لا ننساه، وهو أن مركز الحياة الرعائية والروحيّة هي الرعية، والأديار مساعدة في تنمية محبّة الصلاة وعيشها بكثافة.

يجب أن لا تكون الأديار جاذباً لأي سبب، للناس لترك رعاياهم، وتشكيل رعايا ديرية. يجب أن نقر بأن الكثير من الرعايا تعاني من ضعف الرعاية والأبوة الروحية، وتنخرط في عمق حياة الناس العصرية وتفاصيلها.

أسأل محبتكم أن ترسلوا الأسئلة المتعلقة بما أوردنا في هذه النشرة وعلى الثلاث النشرات السابقة لكي تكون مواضيع للنشرات اللاحقة على عنوان الإيميل: 

baraketmakhoul@hotmail.com                

                 +المتروبوليت باسيليوس منصور 

                       مطران عكار وتوابعها

 

28-Feb-2021