عيد تجلّي ربنا يسوع المسيح


 يشدّد اللاهوت الأرثوذكسيّ على طبيعة النور غير المخلوق الذي شعّ من الرّب يسوع في هذا العيد، فهو لم يكن إلّا طبيعته الإلهيّة نفسها.

نحن مدعوّون أن نقوم بهذا التغيّر، هو تغيّر في العمق وإعادة تصوّيب هدف حياتنا. هو تركٌ للخطيئة والسير نحو  يسوع.



التجلّي

        كلمة تجلي في اليونانية كما أتت في النص الإنجيلي هي μετεμορφώθη أي ما هو أبعد من الشكل.

        ونجدها نفسها في الرسالة إلى رومية عندما يناشد بولس الرسول المؤمنين قائلا:"وَلاَ تُشَاكِلُوا هذَا الدَّهْرَ، بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ، لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ: الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ." (رو2:12).

 

        إذ تأتي "تغيروا عن شكلكم" في اليونانية μεταμορφοῦσθε.

        وهنا لا بد لنا من التوقف عند كلمة Μορφή التي تختلف تمام الإختلاف عن كلمة σχῆμα التي يستعملها بولس الرسول عندما يقول "لأن هيئة هذا العالم تزول" (1كو31:7).

        فالكلمة الأولى تعني تغييرًا جذريًا في العمق، تغييرًا كليًّا، أما الثانية فهي خارجية فقط.

        عندما تجلى الرب يسوح المسيح كشف عن عمقه، عن طبيعته، عن حقيقته بالكامل.

        وعندما يطلب منا بولس الرسول أن نتغير، يطلب منا أن نتغير بالكامل، بالعمق وليس من الخارج فقط.

 

        دعوتنا اليوم أن نعود إلى عمقنا الذي هو المسيح، الملكوت الموجود في داخلنا، فنتجلى ويتجلى العالم من حولنا.

        يُشدّد اللاهوت الأرثوذكسيّ على طبيعة النور غير المخلوق الذي شعّ من الرّب يسوع في هذا العيد، فهو لم يكن إلّا طبيعته الإلهيّة نفسها. ويشرح بالتالي أنّه كشف إلهيّ إذ إن الربّ يسوع يجمع في شخصه الطبيعة الإلهيّة الكاملة والطبيعة الإنسانيّة الكاملة، فهو إله كامل وإنسان كامل.

 

         لهذا الكشف الإلهيّ تسميةMetamorphosis ، وهي كلمةُ يونانية تعني "تغيّر"، المقصود هنا تغيّر "إلى ما بعد الشكل - أبعد من الشكل"، فكلمة Meta تعني "بعد" Beyond، وكلمة ((μορφή (morphe  تعني الشكل. المسيحيّة تنظر وتصبو إلى ما أهو أبعد من المنظور، وأبعد من الأرضيّات أيّ إلى السماويّات.

 

        نحن مدعوّون أن نقوم بهذا التغيّر، هو تغيّر في العمق وإعادة تصوّيب هدف حياتنا. هو تركٌ للخطيئة والسير نحو الرّب يسوع. وهذا معنى كلمة Metania التي تُترجم باللغة العربيّة إلى كلمة "مطانيّة".

        هذا التغيّر هو استنارة داخليّة وتركٌ لظلمة السقوط واستعادة نور ما خُلقنا عليه، وهذا تمامًا ما ترنّمه الكنيسة في سحر العيد: "أيّها المسيح لمّا لبست آدم بجملته، غيّرت الطبيعة التي أُظلمت قديمًا، وجعلتها لامعةً، وألّهتها بتغيّير صورتك".

 

        هذا ا التغيّر هو تغيّر كامل في الذهنية والاهتمامات والتصرّفات وعدم إدانة الآخرين والسعيّ الدائم إلى التوبة من خلال جهادٍ حقيقيّ مكلّل بالصلاة والصوم دون تعبٍ أو كلل.

        هذا ا التغيّر دعوة قداسة وسعيٌ أبديّ لتأله الطبيعة الإنسانيّة بنور الله غير المخلوق من خلال الاتّحاد به. هذا كلّه لا يمكن أن يتم دون أن نموت عن ذواتنا ونولد مِن جديد. وهنا يأتي الصليب، فنلاحظ بأن الكنيسة ترتّل كاطافاسيّات الصليب ابتداءً مِن سحر عيد التجلّي، كما أن عيد رفع الصليب الكريم المحيي يأتي بعد أربعين يومًا مِن عيد التجلّي.

(عن موقع البطريركية)