احذروا المخدّرات - الجزء الثاني


المخدّرات وما شابهها تعطي في البداية بعض الفرح والغبطة والسّرور والارتياح، ولكن في ذات الوقت تصبح من كيان الإنسان وتستعبده، ولا يمكنه التّخلّص منها إلّا بعذابات قاسية



كلمة الرّاعي

سيادة المتروبوليت باسيليوس منصور الجزيل الاحترام

في افتتاحيّة البشارة

13/11/2022

إحذروا المخدّرات (الجزء الثّاني)

       الإخوة والأبناء الأحبّاء،

       هذه حلقة ثانية من مقالتنا حول المخدّرات والكحول وما شابه ذلك من مواد تفرض سيطرتها على الإنسان، وتستعبده مفقدة إيّاه كلّ حرّيّته وصحّته، ويمكن أن يقال دعنا نجرّب هذا الأمر، ونعتمد على النّتائج قبل أن نعمّم الأمر.

       ربّنا يسوع المسيح يقول لنا في "أبانا الّذي" الصّلاة الربيّة أو ما يسمى بين المؤمنين، وفي الكثير من المناطق، بالأمانة الصّغرى مقارنة مع دستور الإيمان الّذي يدعى الأمانة الكبرى: "ولا تدخلنا في تجربة"، وتعني ألّا نقارب نار الخطيئة، قائلين: هل نستطيع مقاومتها؟ وألّا نسقط فيها لأنّ الإنسان إذا تملَّكه هوى من الملذّات، جعل إرادته ضعيفة تجاهه. ومن يلاحظ الجملتين المتتاليتين "ولا تدخلنا في تجربة، لكن نجّنا من الشّرير"، يرى أنّ التّجربة غير الخطيئة، ويقول القدّيس أنطونيوس: "الله يحاسب على العمل"، وهنا يعني الخضوع للشّرّير واتمام إرادته، وليس الدّخول في التفكير والنيّة لإتمامه، فإذا قاوم الإنسان إتمام الفكر الخاطئ لا يكون قد ارتكب خطأ سوى أنّه لوّث تفكيره.

       والمخدّرات وما شابهها تعطي في البداية بعض الفرح والغبطة والسّرور والارتياح، ولكن في ذات الوقت تصبح من كيان الإنسان وتستعبده، ولا يمكنه التّخلّص منها إلّا بعذابات قاسية. ويشبّه القدّيس اسحق السّريانيّ عبوديّة الإنسان للأهواء بما يحصل في الطّبيعة. يقول إذا نزل البستاني إلى بستانه ورأى أنّ الأشجار بدأت بإظهار الزّغف على جذوعها، فإذا بادر للحال وأزالها يكون ذلك سهلا، وبعد حين يحتاج ليده ليزيلها، وبعد مضي وقت يحتاج لكلتا يديه، وهكذا حتّى أنّه سيحتاج لفأس لكي يقطعها إن لم تكن قد أهلكت الشّجرة وشوّهت البستان.

       إذا أيّها الإخوة والأبناء، لا نتعلّل بعلل واهية، تقودنا وبكامل حرّيتنا لنريح ضميرنا في استخدامات خاطئة، لأنّ فيها الموت الرّوحيّ والجسديّ. ولنتأمل في تربية أولادنا بهذه الكلمات السّيّديّة، "ولا تدخلنا في تجربة". هذه الأمور لا يستهان بها، ولا يتهاون في أمرها، فلا نعط فرصة للخبرة،  ولا للتّجربة.

أضرار المخدرات على الجنس؟

       من أبرز الأسباب والعوامل الّتي تدفع الأشخاص للوقوع في طريق الإدمان على المخدرات، تلك العلاقة الوهميّة الّتي يتمّ التّرويج لها من قبل تجّار المخدّرات، حول علاقة المخدرات والجنس. وفي واقع الأمر الحديث عن فوائد المخدّرات للجنس ما هو إلّا وهم في سبيل الوصول إلى الفحولة الجنسيّة، ويمكننا أن نصف تلك العلاقة بين المخدّرات والجنس بأنّها السمّ في العسل، ففي بادىء الأمر تكون هناك حالة من النّشوة واللّذّة والسّعادة، ولكن مع الاستمرار في تعاطي تلك السّموم من المخّدرات تنقلب الأمور رأسا على عقب، وتتغيّر الأمور تماما، وينقلب السّحر على السّاحر، ويعاني متعاطي المخدّرات من الضّعف الجنسيّ، ومن هنا علينا أن نعلم بأنّ طريق التّعاطي طريق لخسارة القدرة الجنسيّة تماما. وأكّدت الدّراسات المختصّة بأنّ تعاطي المخدّرات مع مرور الوقت، يؤدّي إلى مخاطر وأضرار جنسيّة وخيمة، قد تكون في نهاية المطاف تدميرا للقدرة الجنسيّة تمامًا.

ما هي أضرار المخدّرات العقليّة؟

       كما تتسبّب المخدّرات في العديد من المخاطر والأضرار على الصّحّة الجسديّة، هناك العديد من المخاطر والأضرار الّتي تتسبّب فيها تلك السّموم على الصّحة العقليّة والنّفسيّة، والّتي يعتبر من أضرارها الوقوع في حظيرة الإدمان. ومن الأضرار النّفسيّة والعقليّة لتعاطي المخدّرات ما يلي:

1- حدوث تغيّر في تركيبة المخّ، بالإضافة إلى حدوث خلل في الطّريقة الّتي يتعامل بها الدّماغ .

2- السّلوكيّات العدوانيّة تجاه الآخرين، فإنّنا نرى شخصيّة متعاطي المخدّرات، وكيف إنهّا منبوذة، خاصّة في أوقات الاشتياق الشّديد لتعاطي مثل تلك السّموم الفتّاكة .

3- ظهور العديد من السّلوكيّات السّلبيّة الّتي تظهر على متعاطي المخدّرات، مثل سرعة الاضطراب والانزعاج من أتفه الأسباب، مع الشّعور الدّائم بالقلق .

4- صعوبة التّوقّف عن الإدمان على المخدّرات بصورة منفردة .

5- في حال التّمادي في تعاطي وإدمان مثل تلك السّموم من المخدّرات سيكون الامتناع عن المخدّرات ليس بالأمر الهين، وقد يصل الشّخص إلى مرحلة اللّاعودة .

مخاطر المخدّرات على الصّحّة النّفسيّة

       إنّ اضرار إدمان المخدّرات على الفرد والأسرة والمجتمع متعدّدة، ولكنّ تأثيرها على الفرد لا يقتصر على التّأثيرات الجسديّة فقط، بل يشمل التّأثيرات النّفسيّة، فإنّ المتعاطي يعتقد أنّ تناول المادّة المخدّرة سوف يجعله في حالة نفسيّة جيّدة طوال الوقت، ولكن هذا غير صحيح، حيث أنّ هذا يسبّب العديد من المخاطر النّفسيّة والاضطرابات، الّتي يمكن أن تصل إلى الانتحار في الكثير من الأحيان، وتتمثل هذه المخاطر بما يلي:

1-        تكون سببا في إحداث تغيّر واضح في كيمياء المخّ وفي الجهاز العصبيّ، ومع مرور الوقت تسبّب مشاكل كبيرة للدّماغ، يكون من الصّعب أن تتمّ السّيطرة عليها عند التّوقّف عن الإدمان.

2-        عند انتهاء مفعول المخدّر يدخل المتعاطي في حالة من الاكتئاب، وذلك لأنّ العقل يكون قد اعتاد على موادّ مخدّرة تكون سببا في زيادة هرمون السّعادة لبعض الوقت، وبعدها يدخل المتعاطي في حالة من الاكتئاب.

3-        تؤدّي إلى ضعف في الذّاكرة مع عدم القدرة على التّركيز، وذلك لأنّ المادّة المخدّرة تؤثر على خلايا المخّ بشكل واضح، وتؤثر على المراكز الخاصّة بالتّركيز، فيكون من الصّعب تخزين المعلومات.

4-        تعرّض المتعاطي إلى هلاوس سمعيّة وبصريّة وعقليّة، فيبدأ في رؤية أشياء وسماع أصوات يعتقد أنّها حقيقيّة، ولكن في حقيقة الأمر هي غير حقيقية، وذلك لأنّ المادة المخدّرة تؤثّر على مراكز الشّعور.

5-        يشعر المتعاطي بالاضطهاد من قبل جميع المحيطين به، وهذا يعتبر من أكثر الأعراض الّتي تنتج عن الإدمان، وتجعل الشّخص يبدأ في القيام بسلوك عدوانيّ تجاه الجميع، كردة فعل على المشاعر السّلبيّة الّتي يكنّها لهم الآخرون.

هل المواد المخدّرة تسبّب الوفاة؟

       يعتبر هذا سؤال من الأسئلة الشّائعة، والّتي يرغب الكثير من الأشخاص بمعرفة الإجابة الصّحيحة عنه. وفي حقيقة الأمر، إنّ الموادّ المخدّرة تكون سببا في الوفاة، خاصّة أن بعضها يكون ذا خطورة بالغة،  ويمسي من الصّعب أن تتمّ السّيطرة عليها. لهذا السّبب يجب أن يتمّ علاج الإدمان مبكّرًا للوقاية من زيادة نسبة الوفيّات.

       من هنا، يجب التّعرّف على اضرار إدمان المخدّرات على الفرد والأسرة والمجتمع، ومعرفة المخاطر الّتي تنتج عن الإدمان حتّى يتمّ الحدّ منها، والوقاية الّتي يمكن أن تحمي الفرد والّتي تؤثر على صحّته وعلى حالته النّفسيّة.

آثار المخدّرات على المجتمع

       كذلك فإنّ تأثير المخدّرات لا يقتصر على الفرد فقط، بل له العديد من التّأثيرات على المجتمع أيضًا، وتتمثّل هذه التّأثيرات بما يلي:

1- زيادة جرائم العنف بين الأفراد في المجتمع، بين السّرقة والاغتصاب والقتل، وغيرها من الجرائم الّتي يقوم بها المتعاطي بدون وعي.

2-زيادة الحوادث، وذلك بسبب عدم القدرة على التّركيز وتأثير هذه المادّة المخدّرة على العقل.

3- استنزاف الحالة الاقتصاديّة، وذلك لأنّ الدّولة تنفق العديد من الأموال في مكافحة جميع حالات الإدمان، وبناء مراكز متخصّصة للعلاج، إضافة إلى التّوعية الّتي تقوم بها للوقاية من هذا الإدمان.

4- الانهيار الأخلاقيّ في المجتمع، وذلك بسبب سوء الرّقابة على الشّباب، وانتشار السّلوكيّات الإجراميّة في المجتمع.

5- إنتشار الأمراض المعدية، وهذا يحدث بسبب تبادل الحقن خلال التّعاطي، ومن ضمن هذه الأمراض الإيدز، وفيروس سي، وغيرها من الأمراض المعدية الخطيرة.

6- الحدّ من العمالة الماهرة، وذلك لأنّ الإدمان يجعل الأشخاص لا يقدّمون الأفضل في العمل.

 

أضرار المخدّرات على الأسرة

       تأثيرالمخدّرات الأكبر يشمل الأسرة بشكل بالغ، ومن ضمن الأضرار ما يلي:

1- التّفكّك الأسريّ، ويعتبر من أكبر المشاكل الّتي تنتج عن التّعاطي، فإنّ الأمر يصل إلى الانفصال إذا كان أحد الزّوجين مدمنا.

2- تدهور في الوضع الماليّ للأسرة، وذلك لأنّ تعاطي المخدّرات يتطلّب دفع الكثير من الأموال. ومع اختلاف الطّرق الّتي يحاول المدمن من خلالها الحصول على المال، سوف تكون سببا في تدهور مالي للأسرة.

3- وجود شخص مدمن في الأسرة يجعلها منبذوة اجتماعيّا، وجميع المحيطين بها لن تكون لديهم رغبة في التّعامل معها.

4-عدم إكمال الأطفال للتّعليم الخاصّ بهم، وذلك بسبب الإهدار الماليّ للأسرة، وعدم القدرة على دفع أموال المدرسة للأطفال.

5-ولادة أطفال مشوّهين، وذلك لأنّ الأمّ عندما تتعاطى موادّا مخدّرة،  خلال فترة الحمل، تتسبّب في تشوّه الأطفال.

6-العنف الأسريّ، إن تعاطي المادّة المخدّرة يكون سببا في زيادة العنف والرّغبة في أذية المحيطين.

13-Nov-2022