أحد الدّينونة


فكما يقول المثل: "المعدة بيت الدّاء والحميّة أصل كلّ دواء"، هكذا نقول في حياتنا الرّوحيّة إنّ المعدة أصلٌ لأمراض روحيّة كبيرة وكثيرة، وأهمّها الكبرياء واحتقار النّاس وعدم الشّعور معهم. 



كلمة الرّاعي

       سيادة المتروبوليت باسيليوس منصور الجزيل الاحترام

       في افتتاحيّة البشارة

       19/2/2023

أحد الدّينونة

       الإخوة والأبناء الأحبّاء،

       هوذا نحن اليوم قد قرّرنا وعزمنا معا على دخول الزّمن المقدّس بنعمة الرّوح القدس الّذي يتشفّع فينا بأنّات لا توصف. في الأحد الماضي كان الرّبّ قد وضع أمام بصيرتنا الدّاخليّة دلالات على مسار الطّريق الرّوحيّ الّذي يجب أن نسلكه، وأهمّ هذه الدّلالات هي المحبّة الّتي إذا لم تغلّف كلّ الأشياء المادّيّة والرّوحيّة على تنوّع مجالاتها، لا نكون قد حقّقنا شيئا.   

       فالمحبّة هي موسيقى الحياة الّتي تعطي فرقا لنغمات أعمالنا، وفواصل حياتنا، فيشعر النّاس أفرادا وجماعات، بروعة انسجامها وحسن اتّساقها، لأنّها وحدها قائمة، وما تقيمه وتحميه وتسنُده يقوم مقاما حميدا في هذه الدّنيا وفي الحياة الآتية، ولا يصيبه الفشل.

       لقد عزمنا على الدّخول في الزّمن المقدّس لنجاهد لاستمرارنا في الحياة الرّوحيّة، وهذا من أولى الواجبات، فربّنا يسوع المسيح يقول لنا: "ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كلّه وخسر نفسه".   

       ويقول لنا في إنجيل اليوم إنّ صدق نتيجة الاهتمام بالذّات، ونجاحه، ينعكس بدون شكّ محبّة للغير، وهذا الآخر يدعوه السّيّد له المجد أخاه، "مهما فعلتم بأحد إخوتي هؤلاء الصّغار فبي فعلتم"، وبدون الآخر لا يدخل إنسان إلى ملكوت السّماوات، وبدونه أيضا لا يدخل إلى النّار الّتي لا تطفأ، وحيث دودهم لا يموت.

       إذًا الدّلالة الأهمّ لنجاح خبرة جهادنا هي نموّنا في المحبّة، والدّلالة على مقدار نموّنا في المحبّة هي الثّمار الّتي تصبغ علاقاتنا بالنّاس، بحسب احتياجاتهم لمساعدتنا، وتواصلنا معهم.

       إنّ الآباء القدّيسين كما يروي لنا التّاريخ المقدّس، وكلّ رجالات الله، إذ كانوا يمتلؤون من نعمة الله كانوا يفيضون محبّة للنّاس، على قدر الإمكانيّات المتوفّرة لديهم. هكذا قال الرّسول بطرس للرّجل الجالس عند باب الهيكل "ليس لي فضّة ولا ذهب ولكن الّذي لي فإيّاه أعطيك باسم يسوع المسيح النّاصريّ، قم وامش، وأمسكه بيده اليمنى وأنهضه... فوثب وقام وطفق يمشي".

       إذًا المحبّة الّتي نتوجّه بها إلى النّاس أعظم بكثير من أهمّ الأعمال إذا كانت بلا محبّة، فهي الّتي تعطي لحياتنا طعما ومعنى.

       الإنسان يصوم محبّة بالله، ويتخلّى إضافة للطّعام عن جميع أهوائه وضعفاته، لعلّ الله يخلّصه منها إلى الأبد، فكما يقول المثل: "المعدة بيت الدّاء والحميّة أصل كلّ دواء"، هكذا نقول في حياتنا الرّوحيّة إنّ المعدة أصلٌ لأمراض روحيّة كبيرة وكثيرة، وأهمّها الكبرياء واحتقار النّاس وعدم الشّعور معهم. وتُبدِّل كثرة الأطعمة الحواس الرّوحيّة، وتقطع علاقة الإنسان مع ذاته وتفقده حرّيّته، ولذلك ينبّهنا الآباء أن نعتدل في أمورنا المعاشيّة محبّة بأنفسنا، ومحبّة بالآخرين. فالله لم يخلق الكون لشخص واحد بل ليتشارك به جميع النّاس فيحمدوا الله على نعمه ويشكروه على عطاياه.

       أيّها الإخوة الأحبّاء، تسلّحوا بأسلحة الحقّ الّتي يهبها الرّوح القدس، ولا نظهر متكاسلين، أو كأنّ الأمر لا يعنينا، فهذا الموقف هو البليّة الّتي تأتي منها كلّ البلايا، والّتي كما نرى تحصد الفرح والسّعادة من العالم، وتزرع التّفرقة بين النّاس.      

       فلو عرف وأقرّ النّاس بأهميّة الصّوم ونتائجه الرّوحيّة والفضيليّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، لبادروا إليه بدون كسل، وأقاموا أمره خير قيام، فهو ثاني وصايا الله للإنسان في الفردوس بعد المحبّة الّتي خاطب بها آدم زوجته.

       جعل الله أيّامكم جميعها صوما عن كلّ الشّرور والموبقات والّتقصير، وكمّلكم بجميع نعمه لخلاص نفوسكم وثباتكم في المحبّة عامّة، آمين.

                                                      متروبوليت عكّار وتوابعها

+باسيليوس

19-Feb-2023