الشكر
"وأمّا الزّنا وكلُّ نجاسةٍ او طمعٍ فلا يُسمَّ بينكم كما يليق بقدّيسين، ولا القَبَاحَةُ ولا كَلامُ السَّفاهةِ والهزل التي لا تليق بل بالحري الشكر" (أف 5 : 4).
"شاكِرِينَ كلَّ حينٍ على كلّ شيء في اسمِ ربّنَا يسوع المسيحِ للهِ والآبِ" ( أف 5 : 21)
"لا تَهتَمُّوا بشيءٍ بل في كُلّ شيءٍ بالصَّلاةِ والدُّعَاءِ مَعَ الشُّكرِ لِتُعلم طِلبَاتُكُم لَدَى الله" (في 4 : 6)
المسيحي إنسان يشكر ويحمد في مختلف الظروف، في كل شيء ولأجل كل شيء. الشكر متجذر في القناعة الثابتة برحمة الله واهتمامه بكل شيء، وبالإيمان الثابت أن الله يعمل كل شيء الخير الذين يحبونه كما يقول الرسول بولس :''أن كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله (رومية 8 : ۲۸).
المسيحي يشكر ليس فقط على ما يظنه هو جيدا، بل يشكر على كل شيء حتى عندما يبدو الأمر سيئاً، لأنّه يعي أن الله لا يريد إلا خير الإنسان وان ما نظنه شراً قد يكون وسيلة للنمو الروحي والخلاصي إذا فُهِمَ بطريقةٍ صحيحةٍ. أن تشكر الله في كل شيء ولأجل كل شيء هو نتيجة الإيمان به انه الوثوق بأن الرب يعلم حاجات خلاصنا ويستعمل كل الأشياء ليجلب لنا الحياة الأبدية والسلام والفرح.
ضرورة الشّكر تتجلى بوضوح في انجيل البشير لوقا (17 :12-19) " أليس العشرة قد طهروا فأين التسعة؟" تحمل هذه العبارة عتاباً عميقاً من يسوع على الذين لا يشكرون، لقد شفى يسوع عشرة برص لكن واحداً منهم فقط عاد وسجد له وشكر. والشكر هو صلاة الكنيسة.
في هذا الصدد يقول المتروبوليت بولس اليازجي ان هناك درجات أربع للعبادة والصلاة:
الدرجة الأولى هي درجة البرص التسعة، الذين طلبوا حين احتاجوا (صلّوا)، ولكنّهم مجرّد أن نالوا طلبهم "مضوا" مشكلتنا بالأساس أننا لا نلاحظ إحسانات الربّ وهداياه المجانية. وليست قليلة المرّات التي نعيد فيها كلّ سوء إلى الله، لنعاتب أو نشك أو نجدف.
والدرجة الثانية هي درجة الأبرص العاشر، الذي لمّا لاحظ أنّه برأ من مرضه عاد وشكر وسجد.
وهناك درجة أفضل، نصلي فيها على ما نلاحظه وما لا نلاحظه من عطاياه، على الإحسانات الظاهرة والإحسانات غير الظاهرة.
أما الدرجة الأخيرة فهي حين نشكر ونحن في ضيق وشدّة، حتّى في ساعات الألم والشدائد لأن العطية من الله والبليّة ليست منه. وهو معنا فيها أكثر من اللحظات التي نحياها في الراحة.
صلاة الشكر
بناءً على كل ما تقدم كان لا بد للكنيسة الارثوذكسية ان تدرج بعد المشاركة في سر الشكر (المناولة المقدسة)، شكرا على هذا التنازل الفريد، على هذا الحب العظيم والكبير.
فنحن في حياتنا الاجتماعية إذا عُزمنا إلى غداء أو عشاء عند أحد أصدقائنا نصل فوراً ونجلس إلى المائدة أم يكون هناك وقت يهيء لذلك؟! أمّا بعد المناولة، فيخرج البعض فورا من دون متابعة الصلاة وشكر الرب على عطاياه. هل نأكل عند أصدقائنا ونرحل فور الانتهاء من دون شكرهم؟! هل نستهين بجسد الرب ودمه إلى هذا الحد؟ يوجد الكثير من الممارسات غير اللائقة التي نقوم بها وعلينا الانتباه كي لا نكون أداة عثرة لأنفسنا وللآخرين، ولنكون في كنيسة نتذوق فيها مسبقاً حلاوة الملكوت، حيث كل شيء لائق ومرتب.
كيف للذين لا يتابعون صلاة الشكر ان يعلموا اهمية المناولة وتأثيراتها على تفاصيل حياتنا اذ نقرأ بافاشين الشكر "أشكركَ أيها الربُّ إلهي لأنك لم تُقصِني أنا الخاطئ، بل أهلتني أنا غيرَ المستحق لتناولِ قرابينكَ الطاهرة السماوية، فيا أيها السيدُ المحبُّ البشر الذي مُتَّ من أجلنا، وقمتَ، ومنحتنا أسرارك الرهيبة المحيية، إحساناً وتقديساً لنفوسنا وأجسادنا، هَبْ أن تكون هذه لي أنا أيضاً،لشفاء النفس والجسد ولدحضِ كلّ مضاد، ولاستنارةِ عينَيْ قلبي، ولسلامةِ قوايَ النفسانية ولإيمان غير مخذول، ولمحبةِ بلا مراياة، وللامتلاء من الحكمة، ولاقتناء وصاياك ولازدياد نعمتِك الإلهية، والتأهُّلِ لملكوتك، حتّى إذا كنتُ محفوظاً بها في تقديسك، أذكرُ نعمتَكَ على الدوام، ولا أعيشُ بعد الآن لذاتي، بل لك يا سيدي والمحسن إليَّ......"
بل لك يا سيدي والمحسن إليَّ بهذه الكلمات المعبرة نستطيع ان نختزل كل حياتنا مع المسيح هذا الاله العظيم الذي اختار لا ان يتجسد ويصلب ويمسح بدمه عار تمردنا وعصياننا، بل بالاكثر ارتضى ان يناولنا جسده ودمه نحن غير المستحقين.
فلنكن اذا يقيظين لان لا نتناول جسد الاله لدينونة، وبعد التجاسر على التقدم من الكأس المقدس علينا ان لا نخرج جاحدين وغير شاكرين كرم ربنا العطوف.