تصوّر يومك الأخير، والقلق، وضيق النفس، وساعة الموت، والحُكم الإلهيّ الوشيك، والملائكة المُسرعين، والنفس المضطربة بشكلٍ مرعبٍ وسط كلّ ذلك، الملذوعة مقدَّماً بسوط ضميرٍ خاطئ، والتي تلتفتُ بطريقةٍ تثير الشفقة نحو السفليّات ونحو الضرورة المحتومة لذاك السفر الطويل. ارسم في فكرك صورة خاتمة الحياة الكونيّة، حين سياتي ابن الله في مجده مع ملائكته، " لأنّه سيأتي ولن يبقي صامتاً
(مز۳:٤٩)"، حين سيأتي ليدين الأحياء والأموات كلاًّ بحسب أعماله، وحين سيُسمِع بوقُ الآخرة صوتاً قوياً مرعباً سيوقظ أولئك الراقدين منذ بدء الأجيال، وحين سيتقدّم الذين عملوا الخير لقيامة حياةٍ والذين اقترفوا الشرّ لقيامة دينونة (يو ٥: ۲۹). تذكّر رؤيا دانيال الإلهيّة، وكيف يضع الدينونة نصب عيوننا. يقول: "وبينما كنت أری، نُصبت عروش، وجلس عتيق الأيام ، وكان لباسه أبيض كالثتلج، وشعر رأسه كالصوف النقيّ، وعرشه لهيب نار. وكان نهر نارٍ يجري أمامه، وتخدمه ألوف ألوف، وتقف بين يديه ربوات ربوات، فجلس أهل القضاء وفُتحت الأسفار (دا ۹:۷-۱۰)".
الخير والشرّ، الظاهر والمستور، الأفعال والأفكار، هذه الأسفار إنّما تكشف كلّ شيئ معاً، بوضوح، بغية أن يسمعه الجميع، الملائكة والبشر. وعند ذلك الكَشف، تُرى، أيُّ موقفٍ بالضرورة سيكون لدى من عاشوا سيرةً سيئة؟ أين ستختبئ إذاً
تلك النفس التي ستظهر بغتةً وهي مفعمةٌ خزياً على مرأي جميع المتفرّجين؟ وبأيّ جسدٍ ستحمل تلك الجلدات المرعبة والنحيب المرّ، وعويل الأوجاع الغريب، والبكاء وصرير الأسنان، وحيث لا نهاية للالام؟ فلا يمكن الانعتاق من هذه بعد الموت، وليس ثمة عكسٌ للوضع ولا حيلةٌ تبيح الإفلات من تلك العقوبات الفظيعة. أمّا تجنُّبها فممكنٌ الآن. وفيما ذلك ممكن، فلننهض إذاً من سقطتنا ولا نيأسنّ من أنفسنا، وما دمنا نعلم كيف نتحرّر من الأسواء، سيّما وأنّ يسوع المسيح قد جاء إلى العلم ليخلّص الخطاء.
القديس باسيليوس الكبير