في الوقت الذي يُمنع فيه تناول الأسماك خلال الصوم الأربعيني الكبير، الى جانب اللحوم والبيض والألبان ومشتقاتها، الّا أن الكنيسة تسمح بتناول الأسماك في عيدَيّ البشارة والشعانين فقط، والسبب هو أن هذان العيدان هما من الأعياد السيّدية الاثنا عشر الكبرى، لذلك ومن حيث وقوعهما خلال زمن الصوم الكبير، فانّ الكنيسة الأرثوذكسية تجري على مبدأ الصوم المُخفَّف نوعاً ما، فصار السماح بهما بتناول الأسماك، نظراً لكثرة الأصوام في كنيستنا الشرقية الأرثوذكسية، ولأن الانسان الصائم من الناحية الجسدية يحتاج الى البروتين الحيواني فيمكنه التزوّد به، وبذلك نُدرك أن هذا شكلٌ من الترفُّق والتخفيف والتسهيل من قبل الكنيسة الأرثوذكسية اعتباراً منها لفرح وبهجة العيد المُقام.
كما أنّ هناك رموزٌ عميقة تربط بين السمكة وحياة الانسان المسيحي، نذكُر أهمّها:
1-السمك يولد في الماء، والمسيحيّ يولد في مياه جرن المعمودية المقدسة.
2- تكاثر السمك في الماء ليس فيه تزاوج بين الذكر والأنثى (وكأنه ميلادٌ عُذري) فالأنثى تضع بيوضها في الماء، ثم يأتي السمكة الذكر بعدها ويُخصِّب البيوض، وهي تُشير الى ولادتنا في المعمودية المقدسة بالماء والروح، ولادة روحية من فوق، وكأنها ميلادٌ بتوليّ يُخصِّب فيه الروح القدس النفس بعطاياه ومواهبة الإلهية.
3- رغم كون الأسماك تندرج تحت تعريف “اللحوم”، غير أنه ليس فيها غرائز الحيوانات الأخرى، حيث تناول الدهون الحيوانية يؤثّر تأثيراً مباشراً على الغدّة النخامية التي تُحفِّز من افراز هورمون الذكورة (التوستيسترون) وهورمون الأنوثة (الاستروجين)، لذلك فانّ تناول الأسماك ليس له تأثير على الانسان الصائم من جهة تحريك الانفعالات الغرائزية، الأمر الذي لا يتوافق ولا ينسجم مع روحانية الصوم وغايته.
4- لعنة الطوفان في أيام نوح أصابت كل المخلوقات على الأرض وأودَت بها الى الهلاك، ما عدا الأسماك التي بطبيعتها لن تغرق في الماء، وحادثة الطوفان تُشير أيضاً على نحوٍ ما الى الضربات العشر التي نزلت عقاباً من الرب على أرض مصر، وأصابت كل المصريين، باستثناء شعب الله، كما أن الموت الأبدي لا سُلطان له على المؤمنين بالمسيح.
5- الرب يسوع المسيح أجرى معجزتين عبر القليل من السمك والخبز، حيث باركها وأشبع منها جموعاً غفيرة، راجع (مرقس فصل 6) وأيضاً (متى فصل 15)، وهو بذلك يُبارك القليل الذي لدينا ويُغنينا به، ويُبارك كل عطاءٍ أو عملٍ نقوم به في مسيرة الجهاد الروحيّ، مهما بدى هذا العطاءُ أو العملُ صغيراً أو بسيطاً.
6- السمكة في التقليد المسيحي هي رمزٌ للمسيح، وقد استخدمها المسيحيون الأوائل بكثرة فيما بينهم كما لو كانت “كلمة السرّ” للتعرّف على بعضهم البعض في أزمنة الاضطهاد، حيث أن حروفها الخمسة في اللغة اليونانية (ΙΧΘΥΣ) يُشكّل كُلُّ حرفٍ منها بداية لخمسة كلمات تُكوّن جُملة ذات معنى (Ιησούς Χριστός Θεού Υιός Σωτήρ) (يسوع المسيح ابن الله المخلِّص).