مختصر الدرجات الثلاثين الى الله
١-الزهد في الدنيا لا خوفاً من عقاب و لا طمعاً في ثوابٍ بل حبّاً لله
٢- عدم التعلّق بأيّ شيء حتى الغربة
٣-الغربة،و هي كثيرة الحبّ و جحودٌ للعُجب و توغّل في الصمت و شغفُ بالنوم الدائم على الخطايا،بغية بقاء الذهن غيرَ منفصلٍ عن الله
٤-الطاعة،و هي موت المشيئة الذاتيّة و قيامةُ الأتّضاع و مصارِعةُ الأفكار
٥-التوبة، و هي عهدٌ مع الله لبدء حياةٍ جديدةٍ في باتباع التواضع و التخلّي عن التعويضات الجسدانيّة و الحُكم على الذات،و هي ابنةٌ الرجاء و جحودٌ لليأس. التوبة مصالحةٌ مع الربّ بعمل الصالحات المضادّة للزلاّت السابقة. التوبة صبرٌ على كلّ المكدّلان و لكنّها تقاس عند الله بمدى اتّصاغها لا بكميّة أتعابها
٦- ذِكل الموت، إذْ يتعذّر علينا أن نعبر يوحنا ببِرٍّ و تقوى إن لم نحسبه اليوم الأخير من عمرنا
٧-النوح، إذْ ليس للنفس الساقطة عضدٌ عند الوفاة سوى أتعاب أصوامها ودموعها.
٨- عدم الغيظ أو اللاغضب، وهو اشتهاءٌ للهوان دونما شبع. إنّه الوداعة التي هي سكون النفس وتقبّلها للإهانات والكرامات بحالٍ واحدٍ على السواء، لا سيّما وأنّ
التعيیر غسْلٌ لأهواء النفس.
٩- عدم الحقد، وهو دلالةٌ على التوبة الصادقة. إن حقدت إذاً فاحقد على الشياطين وإن عادیت فعادِ جسدك كلَّ حين، فإنَّ الجسد صديقٌ غاشٌّ عنيدٌ بقدر ما تراعيه يؤذيك. واعلم أنَّ ذكر آلام يسوع يشفي النفس الحاقدة، وذلك لشدّة خجلها من طول أناته
۱۰- عدم النميمة، إذْ إنّ الشياطين قاتلي البشر يدفعوننا إمّا إلى أن نخطئ وإمّا -إذا لم نُذعِن لهم – الى إدانة الذين يخطأون لكيما على كلَّ حالٍ يدنّسونا. إذاً، من
شاء أن يغلب روح النميمة فلا ينسب المذمّة إلى من يزلّ بل إلى الشيطان الذي يوحي والذي ليس ثمّة ما يوضح انهزامه لنا كالحرب القاسية التي يشنّها علينا.
۱۱- عدم الثرثرة، إذْ إنَّ إكثار الكلام عرشٌ للعُجب ودليلٌ على عدم المعرفة وبابٌ للنميمة وخادمٌ للكذب واضمحلالٌ للخشوع والنّدم ومبيدٌ للصلاة
١٢- عدم الكذب، لا سيمّا و أنّ الكذبإذْ يتولّد من كثرة الكلام و المزاح يطفئ المحبّة، و أمّا من أشكره خشوع الندم فلا يمكنه أن يكذب
١٣- عدم الضجر، إذْ إنَّ الضجر موتٌ كاملٌ لكلّ الفضائل، و أمّا من ينوحُ على خطاياه فلا يعرف الضجر أصلاً. هذا يُصفع بالعمل اليدويّ و أمّا ما يميته فهو الصلاة المقترنة بالرجاء الثابت بالخيرات المنتظَرة
14– عدم الشراهة، إذْ إنّ الشراهة رئيسٌ للأهواء وينبوعٌ لأنواع الفساد. أمّا ذكر الإنسان لهفواته فيحارب الشراهة، وهذيذه بالخروج من الدنیا يعادي الشراهة كليّاً،
ومن اقتني الرّوح المعزّي في داخله يتوسّل إليه فيبطل الروحُ فعل الشراهة فيه.
۱5- الطهارة، لأنّ من يحتقر هاجس الزنی احتقاراً كليّاً يكون قد قام من قبره وان كان بعدُ في جسده. لا تثق بطين جسدك ما دمتَ حيّاً، بل قدّم للربّ ضعف طبيعتك معترفاً تماماً بكامل عجزك فتنال موهبة العفّة وأنت لا تشعر.
16- عدم حب المال، لأنّ من قهر حبّ المال فقد قطع عنه الهموم ومن ذاق العلويّات يتهاون بسهولةٍ بالسلفيات، وأمّا من لم يذقْها فيهلّل للمقتنيات غير مهتمٍّ بالحساب الأخير
۱۷- إنعدام عدم الحسّ، لأنّ عدم الحس موتٌ للنفس والروح قبل موت الجسد،و هو أبو الضحك وحاضنُ النوم وخليلُ النّهم ورفيق الورع الكاذب والذي لا يخجل
عن التوبيخ. أمّا أنت فاثبت في سهرٍ كثيرٍ ذاكراً يوم الدينونة دونما انقطاع. صلِّ كثيراً في المقابر وصوّرها في قلبك تصويرا لا يُمحى، فإنّك إن لم تطبعها في قلبك
بالصوم لن تقهره إلى الأبد.
۱۸- عدم الاستغراق في النوم، وهذا يرجع إلى العادة كالإفراط في الشرب مثلاً. لذا علينا أن نقاومه وبخاصةٍ في بدء زهدنا، لأنّ العادة المتأصّلة يصعب شفاؤها.
19- السهر في الصلاة، وهو قمعٌ للشهوة وتنقيةٌ للذهن بخلاف كثرة النوم التي تعمي النفس
۲٠- عدم الجبن، لأنّ من أضحي عبداً للرب يهاب الربّ وحده ومن لا يهاب ربَّه بعدُ فكثيراً ما يخشى ظلَّه. أما الجبن فهو ثمرة العُجب وابنُ عدم الإيمان، وإذا ما
تقبّلنا بانسحاق قلبٍ كافة الحوادث غير المتوقعة التي قد تحصل لنا فتكون قد انعتقنا من الخوف حقاً.
۲۱- عدم العجب، أو عدم المجد الباطل إذْ إن العُجب تبديدٌ لأتعابنا واختلاسُ لثروتنا، ابنٌ لعدم الإيمان وسابقٌ للكبرياء، انتفاء البساطة واعوجاج السيرة، فلا تصدّق العدوّ المبدّد الذي يوحي إليك بأن تُشهر فضائلك لمنفعة السامعين، إذْ ما من شيء يمكنه بنيان الناظرين كالخُلق المتّضع الصادق والكلام غير متكلّف.و متى ابتدأ مادحونا - أو بالأحرى مضلّونا - بامتداحنا، فلْنذكر سريعاً كثرة آثامنا، فنجد أنفسنا غير أهلٍ لما يُقال فينا أو يُعمل إكراماً لنا.
۲۲- عدم الكبرياء، إذ إنّ المتكبّر لا يحتاج الی شیطان لإسقاطه كونه قد صار شيطاناً وعدوّاً لذاته. من يرفض التوبيخ يُظهر تكبّره، ومن يرضخ لهُ يتحر من هذا الأسْر. العُجب والكبرياء منشأٌ للأهواء كلّها، أمّا الطاعة فتحاربهما بشدة و ما يفرز التواضع ينافيهما. وثمة أمرٌ واحدٌ لا يستطيعان التغلّب عليه، ألا وهو الذمّ الخالص المتواصل للذّات أمام الربّ.
۲۳- عدم التجديف، لا سيّما وأنّ التجديف ألدُّ محاربينا جميعاً، ولأن أفكار التجديف صادرةٌ عن روح التجديف الذي حالما يظهر يتلاشى. أما إن كلفنا عن إدانة القريب فلن نخشى أفكار التجديف، ومن يزدري هذا العدوّ بعدم إخفاء الأفكار في قلبه وعدم تغذيتها وبالاعتراف بها فهذا ينعتق منه.
۲٤- الوداعة، وهي خلق لا يتغيّر في الإهانات والكرامات، دعامة الصبر و باب للمحبةّ وأساسٌ للتمييز ومنجدةٌ للطاعة وتشبّه بالمسيح وعقالٌ للشيطان. النفس البسبطة لا تعارض وليَّها بل تتّبع سائقها إلى حيثُ يشاء ولا تعرف أن تقاوم و لو سيقت الى الذبح. إذاً، صارع في سبیل نبذ حكمتك، فإنك إن فعلت هذا تجد خلاصاً و سلامةً المسيح يسوع ربنا
۲٥- التواضع، وهو نعمةٌ للنفس ليس لها اسمٌ يعبّر عنها إلّا عند الذين تعلّموها بالخبرة. إنّها غنىً لا يوصف ودلالةٌ إلى الله لأنّه قال: ' تعلّموا منّي"، أي من سكناي وإشراقي وفعلي فيكم. وإن كانت التوبة تنهض والنّوح يقرع باب السماء، فالتواضع المقدّس يفتح. قد يدعو معظمنا ذواتهم خطأةً، ولعلّهم يعتقدون ذلك فعا إلّا أنّ الهوان هو الذي يمتحن القلب. إذاً، آثر بالحريّ أن تغمّ الناس ولا تحزن الله، لأنه يفرح إذا ما رآنا ساعين وراء الهوان حتى نطرح غرورنا ونسحقه ونبيده، وإن تهيأت لتقاتل هوى من أهوائك فاقتنِ التواضع حليفاً لك.
٢٦: التمييز، فكما أنّ عيني الجسد نورٌ لسائر الأعضاء هكذا تمييز الفضائل نورٌ للذهن. إن التردد في الحكم على الأمور والاستمرار طويلاً في الشكّ والحيرة دلالةٌ على نفسٍ غير مستنيرة تطلب مجد الناس. أما من يطلبون معرفة مشيئة الرب فعليهم أن يميتوا مشيئتهم أولاً، وبعد أن يصلوا إلى ال له بإيمانٍ وبساطةٍ خاليةٍ من الخبث أن يسألوا آباء هم أو إخوتهم بقلبٍ متواضعٍ وفكرٍ غير مرتاب - إذ لا بد من فحص ذواتنا في جهاد الأهواء - وأن يقبلوا ما يشيرون به عليهم كأنّه من فم الله، حتى ولو كان منافياً لرغبتهم أو كان الذين سألوهم غير متقدّمين في الروحائيّات.
۲۷- السكينة أو الهدوء، وذلك لتدارك فرط اللسان، وتلافي الغضب، والهرب من التعلّق بالناس دون مقتٍ للناس، ووفاء دین الزلات وابتغاء الجدّ والغيرة، واستمداد المزيد من نار المحبة الإلهية؛ ثم إذا خرجت من عزلتك احفظ ما جمعت. وان اقتنيت عكاز الصبر في الهدوء فلسوف تكفّ الكلاب (الشياطين) سريعاً عن وقاحتها لديك. ولكن، كيف يهدأ من لا يؤمن؟ ذلك أنّ الإيمان هو أم الهادئين.
۲۸- الصلاة المقدسة، وذلك لأنها جسر لاجتياز التجارب، وسورٌ في وجه الأحزان، وقطع دابر القتالات، وغذاء النفس، واستنارة العقل، وفأسٌ يقطع الياس، وهي للمصلّي الحقيقي محكمة الرب ومنبره وحكمه قبل الحكم المنتظر. وفي عريضة توسلاتنا ينبغي أن ندرج شكراً خالصاً قبل أي شيئ آخر، ثم اعترافاً بهفواتنا وتندماً حاراً عليها، وبعد ذلك نعرض سؤالنا لملك الكل ببساطةٍ خاليةٍ من التذويق وبتواضع جزيل. وكن رحوماً جداً ان كنت مهتماً باستجابة صلاتك، وتهيأ بصلاة داخلية دائمة للقيام بصلواتك فتتقدم سريعاً. صلاتك تكشف لك حقيقة وضعك، ولكن، من يمسك بعكاز الصلاة على الدوام لن يعثر. إسال بدموع، اطلب بطاعة، اقرع بصبر، کن مقداماً كل الإقدام فيعلمك الله الصلاة. وإن كنت تسال الملك بلا انقطاعٍ أن ينصرك على أعدائك فتشجع متى اقبلوا اليك، لانهم سيهربون عندها من صلاتك التي تجلدهم كما بنار
۲۹- اللاهوى؛ والنفس تبلغ اللاهوى عندما تترسّخ في كل الفضائل ترسُّخ الفاسقين في اللّذات. فمنتهی الإمساك أن يقهر الإنسان طبيعته ويمتنع عن الطعام وهو جائع، وذروة العفّة أن لا يحتاج لأيّ شخصٍ كان، ومنتهى الزهد في المقتنيات أن لا يشفق حتى على جسده، وتمام الصبر أن يكون في شدّةٍ ويحسبها راحة، ولجّة طول الأناة أن يكون ساكناً هادئاً في غياب ثالبه كما في حضوره، وأوْج الانعتاق من العُجب أن لا يُحسّ بأيّ فخرٍ في حضور من يمدحه، ودلالة التواضع أن يكون في فكرء ذليلاً متواضعاً في وسط أعمالٍ ساميةٍ قد فُوّضَت إليه ومناقب عاليةٍ قد أحكمها. اللّاهوی المغبوط يُنهض العقل الفقير من الأرض إلى السّماء ويُقيم المسكين من مزبلة الأهواء، وأمّا المحبّة فتُجلسُه مع الرؤساء (مز ۷:۱۱۲ –٨)
٣٠-المحبّة،ذلك أن الله محبّة و أنّ المحبّة من ثمّ تشبّه بالله على قدْر ما يتيسّر ذلك للبشر، وهي نبع إيمانٍ ولجّة صبرٍ وبحر تواضع. من يحبّ الربّ فقد سبق وأحبّ أخاه لأن الحبّ الثاني علامة الأوّل، وقوّة هذه المحبّة إنّما تكمن في الرجاء لأنّنا بالرجاء نتوقّع أجْر المحبّة. فمغبوطٌ إذاً من كان حبُّه لله كعشق المغروم الهائم بمعشوقِه، ومغبوطٌ من يخافُ الربّ، كما يخاف المُلاحَقون القاضي. مغبوطٌ من صارت أمانته للسيِّد كأمانة العبد الأمين المتأهّب على الدوام لخدمة سيِّده. مغبوطٌ من أضحت غیرته في الفضيلة كغيرة الأزواج الغيورين على زوجاتهم. مغبوطٌ من يقف في الصلاة أمام الله وقوفَ الخدم أمام الملك. مغبوطٌ من يجتهد ليُرضي الله على الدوام كما يجتهد الآخرون ليرضوا الناس.
قالت لي المحبّة:"يا عشقي،إنْ لم تنزع عنكَ كثافة الجسد لا تقدروأن تعرف يومي. فلتعلّكم تلك السلّم ترتيب الفضائل، و أنّي كائنةٌ في أعلاها حسْبما قال العالِم بأسراري(١كور١٣:١٣).