علاقة الشركة الزوجية بالكنيسة
وهكذا ليست علاقة الشركة الزوجية بالكنيسة علاقة خارجية ، علانة مؤسسة ضيقة بمؤسسة أوسع وحسب ، إنما هي أكثر صميمية من ذلك ، لأن الشركة الزوجية تصبح مكاناً تعاش فيه الوحدة الكنسية بشكل كثيف ، من خلال اتحاد جسدين وروحين عبر أفراح وأتراح وآمال ومهات تمتد على مدى العمر . الشركة الزوجية تتحول إلى كنيسة صغيرة ، إلى "كنيسة منزلي" ، كما يقول بول اندوكيموف ، ( "إذا اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فأنا أكون في وسطهم ، ، أليس هذا جوهر الكنيسة ؟ وقد وردت بين اقوال يسوع غير المدونة في الأناجيل هذه العبارة : متى يأتي الملكوت ؟ إذا أصبح اثنان واحداً ") . وبذلك لا تتخذ طابعاً غريباً يضاف إليها ، إنما تحقق طبيعتها الأصيلة ، تصبح شركة بالفعل لا ازدواج وجودين متوازيين لا يتلاقيان إلا في الظاهر .
مظاهر أصالة العلاقة الزوجية
إن الطابع الكنسي للعلاقة الزوجية ، الناتج عن حضور الرب يسوع بالروح القدس في تلك العلاقة -كما حضر في عرس قانا الجليل ( لا بل بشكل أكثر صميمية )-
يعيد لها أصالتها الانسانية ، لان الانسان الحق هو المتجلي بالنور الالهي على مثال انسانية يسوع . تلك الأصالة تعبر عنها عدة مظاهر ، منها :
* إن الآخر يصبح غاية بحد ذاته وليس مجرد وسيلة لقضاء الشهوة أو حتى لانجاب الأولاد . إنه محبوب من أجل نفسه ، لذا فهذا الحب غير مشروط يتعهد في الأساس الأخر نهائياً أياً كانت عيوبه وأخطاؤه .
* العلاقة الجنسية بين الزوجين ليست غاية بحد ذاتها ، إنما هي لغة للتعبير عن الحب والتوثيق عراه ، إنها تصبح "معرفة "، متبادلة ( أي تداخل كياني عميق من خلال لقاء الأجساد ) على حسب العبارة الكتابية . تلك هي العفة الزوجية التي يشير إليها الرسول بولس بتوصيته التسالونيكيين باستعمال الجسد بقداسة وكرامة غير منقادين لتيار الشهوة كالوثنيين الذين لا يعرفون الله ( ۱ تس 4 : 4 ) . هذا لا يعني أن العلاقة الجنسية لا أهمية لها ، إن أهميتها الكبرى على العكس ، إنما أهميتها هي في كونها لغة تخاطب وليس تقنية بحتة تستخدم لبلوغ لذة أنانية . وقد أثبت علم النفس الحديث على كل حال أن ما يُدعى "بالانسجام الجنسي"، هو ناتج إلى حد بعيد عن القاء صميمي بين الشريكين ، وان العلاقة الجنسية بالتالي ناجحة ، على الصعيد الجنسي نفسه ، بقدر ما لا تنحصر في ذاتها بل تكون تعبيراً عن اتصال عميق بين شخصين .
* الحب الزوجي يضبح حباً معطاء على صورة حب المسيح للكنيسة : "أيها الرجال أحبوا نساءكم كما أحب المسيح الكنيسة وبذل نفسه من أجلها . . . "، وعلى صورة حب الكنيسة للمسيح الذي يعبر عن ذاته بالاستشهاد بشتى مظاهره ( "أيها الشهداء القديسون . . . . ") . هذا الحب قد تجاوز استيلائية الطفل ليبلغ نضوج الراشد الحق الذي أصبح - حسب مقاييس علم النفس الحديث - قادرا أن يعطي بقدر ما يأخذ أو أكثر مما يأخذ . ولكن الحب الزوجي المكتمل بالمسيح ، ككل حب راشد فعلاً ، لا يكتفي بالعطاء ، لأن العطاء من جهة واحدة قد يكون وسيلة متخفية لاستعباد الأخر ، لجعله دوماً " تحت الممنونية" ، . فالمسيح لا يعطينا فحسب ، إنما يطلب منا حبنا ، يجعل نفسه محتاجا إلينا ، يقرع على باب قلبنا منتظراً أن نضيفه كما أضافه زكا : "إنني واقف على الباب وأقرع . . . . . ".هذا ما قاله الرب في النبي هو شع عندما شبه علاقته بشعبه بعلاقة زوج محب بزوجة غير أمينة على عهده ، واذا بالزوج يحاول أن يستعيد حب زوجته ، آن يستميل قلبها : " انطلقت في أثر محبيها ونسيتني يقول الرب . لذلك هاأنذا أتملقها وآتي بها إلى البرية وأخاطب قلبها "، ( هو ۲ : ۱۳ و 14 ) .
* في العلاقة الزوجية ، إذا عيشت كنسياً ، لم يعد من مجال لتسلط واستعباد ، لتلك "الحرب بين الجنسين "، التي هي واقع يومي مفجع والتي تجعل الرجل والمرأة يتنازعان بشكل واع أو غير واع السيطرة في العلاقة الزوجية ، فيستخدم الرجل ، عادة ، القوة فيما تستخدم المرأة وسائل أخرى كالحرد والشكوى الدائمة وما شاكل ذلك . هذا كله يتخطاه الحب إذا تجلى بالمسيح وعاد إلى أصالته . فليس فيه من مجال بعد لسيد وعبد . صحيح أن الرسول يعلن ان "الرجل رأس المرأة "، . انه بذلك يتبنى وصفاً كرّسه المجتمع البشري مدة أجيال ولا يزال يكرسه إلى حد بعيد إلى الآن ، وهو رئاسة الرجل للشركة العائلية . هل هذه الرئاسة نابعة من "طبيعة "الانسان ، ام هي ناتجة عن عوامل اجتماعية تأثرت بدورها بعوامل تاريخية واقتصادية ، وبالتالي فهي مدعوة أن تزول مع تطور المجتمع ، أم هي خلاصة عامل طبيعي وعامل اجتماعي يتفاعلان ، هذه مسألة شائكة لم يعطها العلم حلاً نهائياً حتى الآن . ولكن المهم ليس تبني الرسول لرئاسة الرجل التقليدية ، المهم هو المعنى الجديد الذي يعطيه ، بوحي روح الرب ، لتلك الرئاسة :"فان الرجل رأس المرأة كما ان المسيح رأس الكنيسة ". المهم هو في هذا ال"كما "، . رئاسة الرجل هي كرئاسة المسيح ، إنها مسؤولية حب ، إنها عطاء وبذل ، إنها لا تبتغي مصلحة من يمارسها بل خير الآخر : "لأن المسيح لم يُرض نفسه لكن كما كُتب تعييرات معييريك وقعت علي" . إنها ، ككل رئاسة في الكنيسة ، خدمة دؤوب : "سمعتم أن رؤساء الأمم يسودونهم وعظاءهم يتسلطون عليهم ، أما أنتم فلا يكون هذا فيما بينكم ، بل من أراد أن يكون فيكم كبيراً ، فليكن للكل خادماً ، ومن أراد أن يكون فيكم اولاً فليكن للكل عبداً ، لأن ابن البشر لم يأت ليخدم لكن ليخدم ويقدم نفسه فداء عن كثيرين " . أما خضوع المرأة فلا استعباد فيه في منظار كهذا : "أيتها النساء اخضعن لرجالكن كخضوعكن للرب . . . فكما تخضع الكنيسة للمسيح ، هكذا فلتخضع النساء لرجالهن في كل شيء .المهم أيضاً هو في هذا الـ « كما » ، إذ أن المسيح لا يطلب إلا خضوعاً حراً ، خضوع القلب الذي يعطي ذاته تلقائياً : « يا بني أعطني قلبك . . . » ، « من أراد أن يتبعني فليكفر بنفسه . . . » ، وإن فتح لي أحد أدخل . . . "، ولا يبتغي من وراء هذا الخضوع الحرسؤدداً وتسلطاً ، إنما يبغي فقط حياة المؤمن وفرحه : « لقد جئت لتكون لهم الحياة وتكون لهم بوفرة » ، "مجد الله أن يحيا الانسان" ، ( ايريناوس ) . هكذا فوراء تكريس الرسول الظاهر للوضع الراهن ، قلب جذري للمقاييس الشائعة ، لعقلية "الانسان العتيق" ، وبذور ثورة فجرت ، ولا تزال ، المفاهيم التقليدية حول علاقة الرجل بالمرأة ، ثورة لا تزال تحدو بالانسان إلى تجاوز مستمر للمكاسب الجزئية التي حصل عليها حتى الآن في هذا المضمار .