كلمة الراعي
باسم الآب والإبن والروح القدس الإله والواحد آمين.
الإخوة والأبناء الأحباء،
نعيّد اليوم للقديس غريغوريوس بالاماس. ويعد هذا الأب من معلمي الكنيسة الأرثوذكسيّة. تعلَّم كثيراً وترقى في المناصب الإداريّة في الامبراطوريّة البيزنطية، وكانت الدنيا قد فتحت له ذراعيها، ودعته ليقبل على الحياة في القصور والصخب والضجيج. ولكن نفسه كانت تتوق الى ما هو أفضل وأبقى. تعمق في معرفة الكتب المقدَّسة، وحمل الكتاب معاشاً بين الناس، وتعمق في شرحه متعلماً ذلك على أيدي أفضل الآباء القديسين. فقرّر أن يترك المدينة المتملكة وصخبها الى هدوء البراري في الجبل المقدَّس حيث الطبيعة وحدها تعلمك الصلاة والتأمل.
خاض جهاداً روحياً طيباً أهَّلَهُ للمعرفة اللاهوتية الحقة. ويعتبر القديس غريغوريوس بالاماس محطة لاهوتية في الفكر الكنسي الأرثوذكسي، كباسيليوس الكبير، وغريغوريوس اللاهوتي، ويوحنا الدمشقي، وكيرلس الأورشليمي، وكيرلس الإسكندري وغيرهم من الآباء المعلمين.
جاء تعليمه متوافقاً مع تعليمهم بالرغم من الزمن الهائل الذي يفصل بينه وبينهم (ما يقارب الألف عام). نعم كانت له طريقته في التعبير والتفكير، وكذلك في الحياة الروحيّة، ولكن المبادئ واحدة والمنطلقات واحدة والنتائج واحدة. لقد عبَّر بطريقته عن الإيمان كما ورد في الإنجيل، وكما ورد عند الآباء خلال العصور المتلاحقة حتى أيامه.
نعم إن إيماننا ثابت لا يتغيّر لا بحسب الأشخاص، ولا بحسب الأمكنة، ولا بحسب الأزمنة. وما علمنا إياه السيد له المجد، ونقله الرسل وخلفاؤهم إلينا هو ما علّمه وشرحه وفسَّرَه القديسون. ولا يمكننا أن نقبل شرح الكتب المقدَّسة من غير المؤمنين المقدَّسين الذين بتقديسهم لذاتهم إذا فسروا الكتب المقدَّسة يفسِّرونها كخبرة وعيش فلا يمكن لأب من الآباء أو واعظ من الوعاظ أن يتكلَّم عن أهمية المحبّة للجميع في كلامه ثم يقول غيره بحسب الظروف في وقت لاحق.
لأن الثبات في الإيمان يؤدي الى الثبات في الأخلاق، وبالتالي في الفضائل فيثبت المجتمع.
والثبات في الإيمان والقول الواحد على مرِّ الأجيال يعطي تأكيداً عن أن هذه المقولات "ليس من ناموس ضدّها" كما يقول لنا الرسول بولص عندما عدّد الفضائل المسيحيّة.
في المسيحيّة الفضائل مرتبطة بالكلمة، ولكنها مرتبطة ببعضها البعض، ولا تؤدي واحدة لإعاقة الأخرى بل كلها تعمل معاً لإعادة الإنسجام في الشخص الواحد، وهذه هي المصالحة التي تعيد الإنسان على جناحيها الى ملكوت السموات.
فالإستراتجيّة الإيمانية واحدة، والوسائل متعدّدة، وكذلك التكتيك الذي يستعمله هذا أو ذاك من الناس من الساعين في سبيل القداسة.
لهذه الأسباب تتكلّم المسيحيّة عن السلام منذ مولد المسيح. وفي كل الأزمنة تؤكد على المصالحة، والكلمة الطيبة، وبما أن فضائلها معروفة يمكن لأيٍّ كان أن يقول لمن يتكلم أو يعظ عكس الفضيلة. أنَّهُ على خطأ. لهذا ندين العنف، وأدنا سابقاً الحروب الفرنجيّة، والتي دعيت في أواخر القرن التاسع عشر الحروب الصليبية. ولا يمكننا أن نكرِّم إنساناً أكثر من أي إنسان، لأسباب إجتماعيّة أو عرقية أو إقتصاديّة. ولكن نكرّم إنساناً ما أكثر من غيره بسبب محبته وخدماته التي يقدِّمها للناس.
فعندما يقول الرسول بولص الفضائل ثلاث: المحبّة، والأيمان والرجاء، وفي الآخرة تبقى المحبة – المحبّة لا تسقط أبداً. هذا لا يعني أن الرجاء يسقط. لأن الرجاء هو التوقع فإذا حصل عليه الإنسان تنتفي عنده قوة الرجاء لأنه حصل ما كان يرجوه فثبت الرجاء بالحصول على المرجو، وكذلك الإيمان الذي بعد المعاينة والحصول على الملكوت يبقى فكرة مجرَّدة، وقد تحقق وصار واقعاً بمعاينة الله والتمتع بالنعم الإلهية، ومعاينة الملائكة، ودخول الفردوس. وتبقى المحبَّة. لأنها هي فحوى وواقع العيش في السماء. وبالتالي ما يعنيه الرسول بولص أننا لسنا بحاجة لنرجو أشياء هي في ملكنا، ولا نؤمن بأشياء نعاينها وتحققنا من وجودها.
هذه الفضائل تبقى ثابتة بالواقع على الأرض بطريقة تختلف عن واقعها في السماء، إلا المحبّة فهي لا تتغيّر.
إذاً أيها الإخوة الأحباء،
حافظوا على نقاوة إيمانكم لكي تكونوا محافظين على نقاوة سيرتكم وسريرتكم. أي على حياتكم بكل جوانبها. وبدون التحصن بحصون إيمانكم ومرافئ فضائله نصبح كقارب تتضاربه أمواج أفكار العالم الهائجة تخبطنا يميناً وشمالاً. فاثبتوا في الإيمان على مثال الآباء والقديسين لكي تثبتوا في حسن الحياة وسعادتها وسلامها واطمئنانها بشفاعة العظيم في الآباء غريغوريوس بالاماس وجميع القديسين الذين منهم آباؤكم وأجدادكم. آمين.
+المتروبوليت باسيليوس منصور
مطران عكار وتوابعها