كلمة الراعي
الإخوة والأبناء الأحباء،
جاء الأب بابنه الأبكم الى التلاميذ ولم يستطيعوا أن يشفوه وكان المرض مزمناً عند الولد. وببكاء تضرّع أبو الولد الى الرب ليشفيه، فشفاه وقال: أن هذا الجنس لا يخرج إلا بالصلاة والصوم.
كثير من الأمراض الروحيّة تؤدي الى شلل في أعضاء الجسم وكذلك النفسيّة. وقد علم الإنسان منذ أقدم العصور أن بعض الأمراض لا تكون نتيجة انتكاسات فيزيولوجيّة. لأن الإنتكاسات الروحيّة عند الشخص، وعند المجتمع تؤدي الى تفكك روابط الإنسجام في الجسم والمجتمع وتجعل المجتمع أو الفرد عرضة للتقلّب مع كل ريح. والمجتمع القوي روحياً وكذلك الشخص هما ثابتان في موقعهما يسيّران الأمور كما يشاءان ويتغلبان على كل الصعوبات.
فالمجتمع المسيحي المرتبط روحياً بالكلمة الإلهيّة بقي ثابتاً لا يتغيّر عبر العصور والتاريخ الماضي برغم قساوته وظلمه. بل كانت الكلمة الإلهية مدعاة للوحدة بين أفراده يبدعون ويحققون الدعوة أن يكونوا النور والملح للمجتمعات التي هم فيها.
الناس في هذه الأيام أي في العصر الحاضر لا يعيرون الحياة الروحية الكثير من الإهتمام وإذا اهتموا بها فمن ناحية العلاقات الإجتماعية أو على أساس الأدبيات الروحيّة.
أما الجهاد الحقيقي فيملَّه الكثيرون ولهذا نرى أن المعاصي تتزايد والشرور تتكاثر وآلام الناس تشتد برغم تكاثر العلم والعلماء
وتقدم الطب وتوفر الأطباء. وقد توصلوا الى أهم الإكتشافات حتى في أدق مكونات الجسم البشري، ومع ذلك ما زال العلم كلَّه عاجزاً عن شفاء مرضٍ روحيّ مزمن في أي مجتمع. والعلم لا يريد أمثال هذه الشفاءات ولا يهتم لها وإذا اهتم بها يجعل من الفرق فيها أشد وأقسى ويوسِّع المشكلة. لأنّ المجتمع والعلم عديم الخبرة في قضايا المشاكل الروحيّة التي لا ترى بمجهر العلم ومختبراته مع أن نتائجها ظاهرة باديّة محسوسة. مثلاً الزنى بين الناس هل يشفى بالعلم أم بالحياة الروحيّة والسلوك بحسب ما يرضي الله ويهواه. قلة المحبّة كيف يمكن أن تعالج لتعم بين الناس إذا لم يستطع الإنسان أن يتغلّب على أنانياته ومصالحه الشخصيّة. الأنانيّة كيف يقضى عليها إلا بالبذل والعطاء كل هذه المعطيات الروحيّة ظاهرة نتائجها، ولكن مصدرها وملهمها للإنسان هو الله.
كيف يستطيع الإنسان أن يدرك القوى الروحيّة إذا لم يعتد على ذلك ويخفف من كثافة علاقته بالأطعمة والشراب وماديات هذا العالم الذي يستخدمه ولا يتملكه.
ما الذي يجعلنا إذا أخطأنا بيننا وبين ذواتنا أو الى الآخرين أن نسارع بالتوبة. أمثلة كثيرة يمكن أن نسألها اليوم ونحن نعيِّد للقديس يوحنا السلمي الذي يقودنا بأقواله في مراقي التقدم الروحي والقداسة ويعلمنا قائلاً: "جاهد بذاتك واقتد بتواضع المسيح لكي تزيد سعير النار التي أنزلها عليك والتي بها يقتلع منك كلّ تحرّك دنيوي من شأنه أن يميت الإنسان الجديد ويدنس ساحات الرب القدوس القدير". أتجرأ مثل القديس بولس وأقول: "اننا هيكل الله" (1كو16:3). إنه طاهر فلنطهّر هيكله حتى يشتهى السكنى فيه، فلنقدسه لأنه هو قدوس ولنزينه بكافة الأعمال الصالحة الشريفة ولنبخره ببخور رائحة مشيئته بالصلاة القلبيّة النقيّة التي لا يمكن اقتناؤها وسط الضوضاء العالميّة المستمرّة فيمتلئ جميع سكان بيت الله فرحاً ومجداً. أما عديموا الحياء فيبادون بلهيب الروح القدس (يوحنا السلمي).
هكذا أيها الأحباء نستطيع أن نتردّد بين الصوم والصلاة بفرح لا يوصف والخبرة هذه تعطينا القوّة ليس على التدخل في حياتنا إيجابياً ونقف أمام ذواتنا بشجاعة لنقودها بنعمة الروح القدس في مراقيه التي شاءها لنا منذ القديم، بل ونستطيع عند ذلك مساعدة الآخرين إما بحياتنا وإما بصلواتنا وإما بواسطة القوى الروحيّة المقدّسة إذا أعطي لنا من الله ذلك وسمح لنا باستخدامها وقد وعدنا الرب بذلك بقوله لتلاميذه "ستصنعون مثل هذه وأكثر". فلا نهملنَّ زمناً مباركاً هذا مقداره لأن في مسيرتنا الروحيّة بالصوم والصلاة هدوء النفس وصحة الجسد وكل الخير والعزاء الداخلي الذي ليس بعده عزاء وبه تمتلئ النفس رجاء وقوّة بالله الذي يقوينا في كلِّ شيء ويسدد طرقنا في سبله آمين
+المتروبوليت باسيليوس منصور
مطران عكار وتوابعها