إنّ نسطوريوس لم يستطع أن يتفوَّه بكلمة والدة الإله لأنّه كان ممتلئا صَلَفا وكبرياءً وتعصّبا...
لقد تجرأ هذا البطريرك المبتَدِع على العذراء مريم، بالرّغم من شهادة الإنجيل بأنّ أليصابات قد اعترفت بالعذراء، وهي حامل بالسّيّد له المجد، قائلة بعد أن امتلأت بالرّوح القدس "من أين لي هذا أن تأتي أمّ ربّي إليَّ"، وبالروح القدس قالت العذراء "تُعَظّم نفسي الربّ وتبتهج روحي بالله مخلصي... فها منذ الآن تطوّبني جميعُ الأجيال".
كلمة الراعي
سيادة المتروبوليت باسيليوس منصور الجزيل الاحترام
14 آب 2022
الإخوة والأبناء الأحباء
نهار غد نبلُغُ المرحلة النهائيّة من صوم السّيّدة العذراء، وندخل في عيدها، أي في كثافة حضورها الشّخصيّ بيننا بما تُمَثلّه من قيمٍ وقداسة ورؤى.
ولم يكن هذا الحضور غائبا عنا وعن اجتماعاتنا. ففي الكثير من الرّعايا والكنائس الصّغيرة على اسم العذراء، يجتمع النّاس لتلاوة صلاة خاصّة بالعذراء القادرة بشفاعاتها عند ابنها وإلهها يسوع المسيح أن تمدَّنا بالكثير من العجائب، وترفدنا بالكثير من الشفاءات والتعزيات، لأنّ لها الدالة الوالديّة على من وَلَدَتْه، الكلمة الإلهيّة الّذي صار جسدا. وبهذه الولادة ندعوها والدة الإله. أو والدة الربّ أو السيّد أو بالكثير من الألقاب ، المرادفة (لله).
يقول الرسول بولس "لا يستطيع أحد أن يقول أن يسوع المسيح ربّ إلا بالروح القدس"، ومن لا يضيء الروح القُدُس بأنواره حياتَه وذهنَه وكيانَه لا يستطيع أن يتقبّل ما أتى به الإنجيل، بأنّ الكلمة الّذي هو الله قد صار جسدا، وحلَّ بيننا. الإيمان بهذه العقيدة يتطلّب قلبا نقيّا قابلا، ويوصينا الرسول بولس أن لا نقسّي قلوبنا، إذا سمعنا صوته، فالقلب القاسي الّذي لا يتجاوب مع النداء يجعل الكيان والذّهن والفكر كلّه يُنكر الشخص. والقلب في علم اللاهوت هو مركز التفكير ومركز الدلالة على التجاوب مع الحضور الإلهيّ.
ولهذا، من يعترف بأن المسيح هو الله يستطيع أن يعترف بأن العذراء هي والدة الإله. فهذا الاعتراف مرتبط بالاعتراف الأوّل. إنّ نسطوريوس لم يستطع أن يتفوَّه بكلمة والدة الإله لأنّه كان ممتلئا صَلَفا وكبرياءً وتعصّبا. وخطابه نحو الملك أركاديوس خير دليل على ذلك، فقد ظهر في خطابه عديم الرحمة تجاه الناس. لقد طلب من الامبراطور أن يبيد جميع الهراطقة، ثمّ وَعَدَهُ بمملكة قويّة، وبعدها بملكوت السماوات.
لقد تجرأ هذا البطريرك المبتَدِع على العذراء مريم، بالرّغم من شهادة الإنجيل بأنّ أليصابات قد اعترفت بالعذراء، وهي حامل بالسّيّد له المجد، قائلة بعد أن امتلأت بالرّوح القدس "من أين لي هذا أن تأتي أمّ ربّي إليَّ"، وبالروح القدس قالت العذراء "تُعَظّم نفسي الربّ وتبتهج روحي بالله مخلصي... فها منذ الآن تطوّبني جميعُ الأجيال". إذًا، بالروح القدس يعترف الإنسان اعترافا كاملا بيسوع المسيح، أنّه شخص واحد بطبيعتين كاملتين إلهيّة وإنسانيّة، وبالروح القدس أيضا يعترف الإنسان بأنّ العذراء هي والدة الإله. وبدون مواربة ولا فتور، إذا استطاع أن يسمع للروح القدس.
أيّها الإخوة الأحباء يكثُرُ في أيامنا هذه ما يسمّى بالعبادات المريميّة. حتّى صار عند أغلب الناس، وكأنّ العبادة مقدَّمة للسّيّدة العذراء بانفصال عن شخصٍ آخر، ونعني بذلك ربّنا يسوع المسيح. وهذا التكريم المتطرِّف غير صحيح، ولا يقول به الروح القدس ولا يوصي به. لأنّ الصّلوات الّتي نصلّيها، والموجّهة لشخص العذراء، دائما نجدها مرتبطة بالابن. لا نجد ذلك فقط في الصلوات، بل وفي الأيقونة أيضا. ومن يسمع للروح، ويعترف بالعذراء والدة الإله، آخذًا هذه العبارة بكلّ معانيها، يملؤه الروح القدس بالرضى والسعادة والسرور.
وهذا الاعتراف يحرس الإنسان من الوقوع في الهرطقات، الّتي تجول بين ظهرانينا منذ مدّة، وتقتنص النفوس للهلاك. هذه البدع والشّيع والهرطقات لا تقيم للحياة الروحيّة وزنا، ولا للأشخاص الّذين وُجدوا فيها أبطالا، ومن جملتهم السيّدة العذراء، بل يوجهون لهم كلاما لا يليق، ولا يمكن أن يخرج من فم أو ذهن من عنده ذرّة من الحياة الروحيّة. نطلب إلى الربّ الإله أن يرحمنا، ويرحم بلادنا لكي نَجِدَ جميعا المحبّة لبعضنا البعض، والسلام بين البشر بشفاعات والدة الإله الكليّة القداسة آمين.
كلّ عام وأنتم بخير.