نحن مطالبون بأن نظهر للنّاس ثمار الإيمان بالأعمال الصّالحة، فيتعرّف على الإيمان من لا يعرف الإيمان، ويمجّد الله لأّنه عرفه بالذّهن وبالواقع الحسّي، لدى رؤيته لثمار الإيمان بالأعمال الصّالحة.
كلمة الرّاعي
سيادة المتروبوليت
باسيليوس منصور الجزيل الاحترام
في افتتاحيّة البشارة
٣أيلول ٢٠٢٢
هل نحن مسؤولون
يظنّ بعض النّاس أنّ الإيمان لا يحمّلهم سوى بعض المسؤوليّات الشّخصيّة، مع أنّ الكنيسة، كما هو واضح من الإنجيل على اختلاف أسفاره، هي مجتمع مسؤول ومطالب. ولم يفهم أحد من الرّسل هذه المسؤوليّة على أنّها شخصيَّة وفرديَّة فقط، فإلى جانب المسؤوليَّة الفرديَّة والشّخصيَّة، توجد مسؤوليّات جماعيَّة، هي فرض على المؤمن، لكي بالتأكيد العمليّ يظهر بالواقع ما هي مسؤوليّته.
ربّنا يسوع المسيح له المجد قال لنا: "هكذا ليضئ نوركم قدّام النّاس، فيمجّدوا أباكم الّذي في السّماوات" (مت16:5).
إذًا نحن مطالبون بأن نظهر للنّاس ثمار الإيمان بالأعمال الصّالحة، فيتعرّف على الإيمان من لا يعرف الإيمان، ويمجّد الله لأّنه عرفه بالذّهن وبالواقع الحسّي، لدى رؤيته لثمار الإيمان بالأعمال الصّالحة.
ودائما يعيد السّيّد علاقة المسؤوليّة إليه هو "أحبّوا بعضكم بعضا ليعلم النّاس أنّكم تلاميذي" (يو35:13). ووصايا كثيرة إذا طبقناها تعود في علاقتها إلى السّيّد.
وهكذا تفهم المسؤوليّة في المسيحيّة. مثل أصحاب الوزنات، كلّهم يعودون إلى السّيّد ليأخذوا أجرتهم.
في الزّواج يبقى الزّوجان على علاقة حسنة وودّ لأنّهما يكرّمان يسوع المسيح. وكذلك علاقة الأبناء بالآباء، وأفراد المجتمع ببعضهم. هذه كلّها مسؤوليّات يحملها المؤمن في حياته، ويعيشها نقيّة بلا زغل ولا تشويه محبّةً بيسوع المسيح. إذًا جميل جدًّا أن يدرك الإنسان بكلّ مشاعره أنّه مسؤول عن تمجيد الله، وكأنّه بهذا التّمجيد الّذي ذكرنا مسبقًا، يشارك الملائكة والقوّات السّماويّة بالتّمجيد والتّسبيح الّذي لا ينقطع.
قال السّيّد: "أتيت لألقي نارًا، ويا ليتها اضطرمت" (لو49:12). إن كانت هذه النّار حربا على الفساد أو انتشار المحبّة بين النّاس. وهنا على الإنسان المؤمن أن يشعل هذه النّار بالتّوبة أوّلًا، واستئصال الفساد من ذاته وعاداته. ثانيًا بأن يفعِّل الأخلاق المسيحيّة كرامة لعيني يسوع المسيح، فتضطرم المحبّة بين النّاس مزيلة كلّ أسيجة العداوة.
ليست مسؤولياتنا أخلاقيّة وروحيّة فقط، بل تتعدّى ذلك إلى التّعامل الاجتماعيّ والاقتصاديّ.
مهما فعلتم بأحد إخوتي هؤلاء الصّغار فبي فعلتموه. أدخلوا يا مباركي أبي إلى فرح ربّكم. ويعدّد في مثل الدّينونة أنواع الأعمال الّتي على الإنسان أن يقوم بها.
مثل إطعام الجياع، تأمين مآو للغرباء، إكساء العراة، وزيارة المرضى والمساجين، إلى جانب ما يمكن أن يصدف في طريق الإنسان المؤمن من سبل لعمل الخير.
عند الإنسان المؤمن مسؤوليّات ليتورجيّة. "متى اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فأنا أكون بينهم" (مت20:18). وكذلك "مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي وَيَشْرَبُ دَمِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ،" (يو 6: 54).
إلى جانب تمكّن الإنسان من إيمانه، ومعرفته بهذا الإيمان حمّلنا السّيّد مسؤوليّة نقل الإيمان إلى شعوب الأرض كافّة، وخاصّة حيث نكون. إذ علينا أوّلا تعليم النّاس، وتبشيرهم من خلال أعمالنا الّتي بها نرسم أيقونة إيماننا.فقد قال السّيّد: "إذهبوا إلى جميع الأمم، وتلمذوهم معمّدين إيّاهم باسم الآب والإبن والرّوح القدس، وعلموهم جميع ما أوصيتكم به" (مت19:28-20).
من يقرأ تاريخ الكنيسة يرى أنّ المؤمنين بدءا بالرّسل، وإلى هذه السّاعة لا يزال البعض منهم يقوم بهذا الواجب، ويعلن الإيمان، ويبشّر به لا حبّا في اقتناص النّاس، والتّفاخر بأعدادهم وأنسابهم، بل حرصا على خلاصهم. وهنا المسؤوليّة عظيمة، وهذه المسؤوليّة في أيامنا تبدأ من الشّخص لأنّ الأشخاص لم يعودوا على دراية بإيمانهم، ولا بعلومهم وكتبهم، وخاصة الإنجيل المقدَّس. ويحمل الإنسان مهمة تعليم أهل بيته، ثمّ إذا أتمَّ ذلك ينتقل إلى الخارج بكلّ لياقة وترتيب، ليبشّر الأمم والأشخاص الّذين يعيشون بين ظهرانَيهم. لا يجوز أن يبقي المؤمن إيمانه سريًّا
تحت هذا الشّعور كان بعض المؤمنين في مواجهتهم للاستشهاد يعلّمون مضطهديهم عن الإيمان، ويظهرون لهم الحقّ، وقد جذبوا الكثيرين إلى الإيمان وهم في مرحلة الاستشهاد وتحمّل العذابات.
وقد صنّف الرسول بولص أنواع الخدمات في الكنيسة. لقد جعل الله في الكنيسة رسلا أوّلا، ثانيا أنبياء، ثالثا معلّمين، ثمّ هناك المعجزات، مواهب الشّفاء، الإسعاف، التّرجمة، وحسن التكلّم باللّغات.
فكلّ واحد من هؤلاء عنده مهمّته الكنسيّة، وعليه أن يقوم بها في هذا المجتمع المقام على اسم السّيّد له المجد، وقد يتأثّر بالخدمة من ليس من الّذين كتب عليهم الاسم الأعظم.
ومن التّطويبات نفهم كم المؤمنون مسؤولون عن ارتقاء الأخلاق البشريّة، وبالتّالي على المؤمن أن يبقى في حالة جهاد روحيّ وماديّ ليكون العون الّذي يلجأ إليه المحتاجون روحيّا أو ماديّا. وذكرنا مرّات عديدة أنّ الرّهبان يحاولون أن يخلّصوا أنفسهم لكي يقتدي بهم الضعفاء، وأصحاب الهمم الفاترة، ويجاهدون ماديّا لكي يحسنوا. ويعتبر الإحسان من الفضائل العظمى في الحياة الرّوحيّة، والمسيحيّة عامّة.
الإنسان المؤمن مسؤول عن صيامه وصلاته، ولا صحّة في كلّام الّذين يقولون إنّ العطاء اختياريّ، وإنّ الصّوم اختياريّ، وإنّ الصّلاة موضوع اختياريّ. هذه وغيرّها كلّها واجبة، وضمن مسؤوليّات الإنسان الّتي سيحاسب عليها.
أرجو اللّه أن يعطيكم أيّها الإخوة والأبناء الأحبّاء أن تدركوا أنّ المسؤوليّة في الكنيسة هي التزامات يزينها الضّمير والمحبّة. ونطيع ونعيش المسيح الّذي هو الألف والياء، وما بينهما.