. لما صار كلام المسيحيّين أكثر من أفعالهم، وخالفت أفعالهم أقوالهم، وتبعوا العالم في أحوالهم خسروا كلّ شيء حتّى الولد والبلد، وصاروا جزءًا فيما يفتخرون لأنّ العالم محتاج للأعمال، وليس للأقوال كيلا نسمع: "أيّها الطّبيب طبّب نفسك".
كلمة سيادة المتروبوليت باسيليوس منصور الجزيل الاحترام
في افتتاحيّة البشارة
6 آب 2023
تجلّي الرّبّ
الإخوة والأبناء الأحبّاء،
في هذا الأحد نعيِّد عيد تجلي ربنا يسوع المسيح، وإظهاره لمجده أمام تلاميذه حسبما استطاعوا، أي حسبما استطاعوا هم أن يروا ويعاينوا. فظهور مجد الله للإنسان لا يكون بحسب عظمة هذا المجد، بل بحسب إدراك الإنسان واستطاعته للمعاينة، وإلّا فتنقلب الأمور عكسيّا.
فالنّاس وبدون أن يعيشوا حياة روحيّة يدّعون الإيمان والحياة الرّوحيّة، ويقارنون بينهم وبين الآخرين. وبالرّغم من عدم ارتيادهم للكنيسة، وعدم عيشهم الحياة الرّوحيّة يتكبّرون ويتباهون. فكيف إذا أظهر الله لهم مجده، وعاينوه بالواقع والحقيقة؟ عندها سيتكبّرون وسيسقطون في جحيم الكبرياء.
فالله رحمة بالنّاس لا يظهر لهم إلّا بحسب استطاعتهم، كي لا يصيبهم الأذى الرّوحيّ والعصبيّ وحتّى الجسديّ. كما في حال أنّ فقيرًا ومحبّا للمال يأتيه فجأة مبلغ كبير وهو غير مستعد له، بكلّ تأكيد سيتضرّر نفسيّا، ويفقد اتّزانه، ولو لفترة بسيطة، هذا إذا لم يفقد اتّزانه طيلة حياته.
ولهذا أيضًا نصح السّيّد الرّسل بألّا يقولوا شيئا للنّاس لأنّهم لن يصدّقوا، فكيف سيأتي موسى ليتحدّث مع يسوع، وكذلك إيليا، وهما من رجالات العهد القديم، والأعظم بين رجالاته؟الإخباريّة هذه ستلوّث عقل أتباع يسوع أوّلا، وينقسمون بين مصدّق ومكذّب. وأوصاهم ألّا يقولوا شيئًا إلى أن يقوم ابن البشر من بين الأموات.
وقيامة يسوع من بين الأموات ستجعل كلّ حدث صغيرا أمامها، فلم يسمع أن أحدا قام من بين الأموات. بل سمع أنّ الأنبياء أقاموا الأموات كإيليا وأليشع، وكذلك السّيّد، ولكن، لا أحد منهم قام هو من بين الأموات. قام السيّد بذات سلطانه "كلّ ما للآب فهو لي."
نتعلم من هذا الحدث أنّ الحياة مع المسيح ليست هي حياة القوى والمعجزات، بل هذه ثمار الحياة مع المسيح، إذا كانت فائدتها كبيرة. وإلّا فتستمّر الحياة مع المسيح، وتبقى ثمارها مخفيّة.
كما أنّ الحديث عن ثمار الحياة مع المسيح، بدون سبب أو استفادة، مضرّ لأنّه يذهب بالأتعاب سدى. لم يكن أحد من الآباء يفتخر بالعجائب والحوادث الرّوحيّة، بل يفتخرون بأنهّم قد استحقوا رحمة الله، وأن يعيشوا تحت جوانح هذه الرّحمة مطمئنين بتواضع غير حاسبين أنفسهم شيئا.
كثيرون منهم كانوا يطلبون ألّا تعطى لهم هذه النّعم لصنع العجائب، كي لا يقعوا في الكبرياء. وكم تروي لنا الكتب الرّوحيّة عن الآباء أقوالا وأفعالا تدل على أنّ التّباهي بالعجائب والنّعم خطير، ويستغل الشّيطان هذا الإعجاب عند العائشين حياة روحيّة، ويقودهم بذلك في طريق الضّلال دالّا إيّاهم على أنّهم قد صاروا شيئًا.
وهو يستغل كلّ فرصة للإيقاع بالبشر المجدّين في الطّرق الرّوحيّة، والكسالى في هذه الطّرق. وكما يقول السّيّد: "ولو استطاع أن يضلّ المختارين لفعل". هكذا حاول أن يضلّ نسّاكًا كبارا كسمعان العموديّ، وآباء البرّيّة في صحراء مصر، وغيرهم من فلسطين وآسيا الصّغرى، تارة بحروب ذات اليمين، وتارة بحروب ذات الشّمال، فمنهم من قاومه، ومنهم من سقط.
والعارفون بخفايا الحياة الرّوحيّة كانوا يكتشفون ضلال التّكلّم في مثل هذه الأمور من خلال تناولها مع النّاس بسبب أو بغير سبب.
أيّها الإخوة الأحبّاء، من الأفضل أن نعيش الحياة الرّوحيّة، ونخفي ثمارها، والله له المجد سيعلنها عندما يريد، لأنّ كلام الإنسان في أمور لا خبرة حقيقيّة عنده فيها تجعله هزءًا بين النّاس، وفي أحسن الأحوال سيتضجرون منه. وعلى الإنسان المؤمن العاديّ أن يعيش روحيًّا مع أهل بيته، ويربّي أولاده عليها، ويظهر ما يقوله بأعماله لا بكلامه، لأنّ للأعمال وقع أشد من وقع الكلام.
بهذه الطّريقة استطاع المسيحيّون أن يربحوا الوثنيّين الى المسيح، وأن يعتلوا عروش الممالك. ولما صار كلام المسيحيّين أكثر من أفعالهم، وخالفت أفعالهم أقوالهم، وتبعوا العالم في أحوالهم خسروا كلّ شيء حتّى الولد والبلد، وصاروا جزءًا فيما يفتخرون لأنّ العالم محتاج للأعمال، وليس للأقوال كيلا نسمع: "أيّها الطّبيب طبّب نفسك".
رجائي إلى الله في هذه الأيّام العظيمة، ونحن نجتاز صيام العذراء، أن يعطينا الله أن نقلّل من كلامنا، ونكثر من خير أعمالنا، وأن نجعل نوره متجلّيًا في حياتنا، لكي بمعاينتنا لنوره نصل إلى رؤية قيامته، ومشاركته في حضوره، وهو آت بمجد عظيم.
ومع التّهنئة بعيد التّجلي والكرامات الّتي يعلنها، أريد أن أتقدّم بالتّهنئة أيضًا لكلّ الطّلّاب اّلذين اجتازوا الامتحانات الدّراسيّة في أيّ مستوى كان، وأينما كانوا. وبشكل خاصّ، أتقدّم بالتّهنئة، والتّهنئة هنا واجبة لمدير المدرسة الوطنيّة الأرثوذكسيّة– عكار، ومدير المعهد المهنيّ الأرثوذكسيّ العالي بجميع أقسامه وفروعه، وكذلك للمدرسة الوطنية الأرثوذكسيّة – رحبة بشخص مديرها الجديد، وللمدرسة في مشتى الحلو (سوريا)، على النّتائج الباهرة الّتي حقّقوها في هذا العام، برغم الظّروف القاسية والمعيقات والاحتمالات، والصّبر معنا على ما واجهنا خلال العام الدّراسي الفائت، ولم نكن نتوقّع أن تكون النّجاحات في أغلب الفروع 100/100، وهذا إن دلّ على شيء يدلّ على أنّ القائمين على هذه المؤسّسات مؤمنون بها مؤتمنون عليها، وكأنّها مؤسساتهم الشّخصيّة.
وكذلك أهنّئ الطّلّاب وأهاليهم على إظهارهم حقيقة القوى، "وما نيل المطالب بالتّمنّي، ولكن تؤخذ الدنيا غلابا، ومن طلب العلى سهر الليالي".
وأشكر كلّ الأساتذة، والإداريّين، والعاملين، والمدراء على أتعابهم، والى مزيد من العطاء والتّقدّم والرّفعة لعكّار، ولأبناء عكّار. فكلّ المؤسّسات الّتي ذكرت هي في أبرشيّة عكّار، وإلى جانب مؤسّسات عديدة غيرها. وستزداد بنعمة الله ومحبّته، وبدعمكم المعنويّ والماديّ، فهي لخدمة الإنسان، وليست ملكًا لأيّ إنسان.
متروبوليت عكّار وتوابعها
+باسيليوس