بالمعموديّة أُعطينا قوّة قياميّة، وتتجدّد هذه القوّة كلّ سنة بالقيامة، حيث نُعطى فرصة جديدة لتجديد إنساننا المخلّع فنصبح بقوّة الرّبّ القائم قادرين على تخطّي خطايانا وهفواتنا ونزواتنا وضعفاتنا، وخلعها ورميها وراءنا لنتقدّم إلى الأمام سائرين فرحين بنور القيامة الّذي لا يغرب أبدًا، مختبرين قوّة الرّبّ في حياتنا القادرة أن تجدّدنا وتدفعنا مرّة أخرى لترك إنساننا العتيق ولبس الجديد.
افتتاحيّة البشارة
أحد المخلَّع - الأحد الثّالث بعد الفصح
للأسقف #ديمتري_شربك
المسيح قام
بعد أن انتهت الكنيسة من تأكيد حدث القيامة، أيّها الأحبة المؤمنون، في الأحدين الماضيين، أحد توما وأحد حاملات الطّيب، تنتقل الكنيسة وتنقلنا معها، في هذا الأحد والآحاد الّتي تليه، إلى تأكيد مفاعيل القيامة في حياتنا.
في النّصّ الّذي سمعناه اليوم، يُحدّثنا القدّيس يوحنّا الإنجيليّ عن حادثة شفاء السّيّد المسيح لمخلّع صادفه عند بركة بيت حسدا.
الكنيسة، بوضعها هذا النّصّ في الأحد الثّالث، تريد أن تكشف لنا وتشدّد على عدّة مواضيع. أحد هذه المواضيع، وربّما أغربها، هو ارتباط المياه بحدث القيامة. ولا شكّ أنّ السّؤال الّذي سيتبادر إلى أذهاننا مباشرة هو: وما علاقة المياه بالقيامة؟
في هذه الفترة المباركة، من هذا الأحد إلى أحد الأعمى، سنلاحظ تشديدًا من الكنيسة على دور المياه. ففي هذا الأحد سمعنا عن بركة بيت حِسدا حيث كان المرضى ينتظرون نزول الملاك وتحريك المياه، وكان الّذي ينزل أوّلا بعد تحريك المياه يشفى من مرضه.
وإذا توجّهنا نحو أحد السّامرية نقف قبله عند محطّة هامة جدّا وهي عيد انتصاف الخمسين، أي العيد في منتصف الفترة بين القيامة والصّعود، بعد مرور 25 يومًا على القيامة، وترتيلة العيد توضح بشكل أكبر دور المياه: "في انتصاف العيد اسقِ نفسي العطشى من مياه العبادة الحسنة...". وصولًا إلى أحد السّامريّة حيث النّقاش الجميل اللّاهوتّي بين السّيّد المسيح والسّامريّة حول مفهوم المياه، والتّدرّج من المفهوم البسيط إلى المفهوم العميق للمياه الّتي تعطي الحياة، وكلّ من يشربها لا يعطش أبدًا. وانتهاء بأحد الأعمى الّذي فيه يتفل المسيح ويطلي عيني الأعمى بالطّين ويطلب منه أن يغتسل بمياه بركة سِلُوام.
هكذا يبدو لنا واضحا دور المياه في كلّ هذه الأحداث الّتي ذكرناها.
ولماذا للمياه هذا الدّور، ومن أين أتى هذا الارتباط بحدث القيامة؟
العلاقة هي بين المعموديّة والقيامة، والقدّيس بولس الرّسول يشرح هذه العلاقة بينهما بشكل جميل، حين يشبّه المعمودية بالقيامة، حيث النّزول في المياه والصّعود منه هو موت على شبه موت المسيح وقيامة معه: "لأنّا إذا كنّا قد غرسنا معه على شبه موته فنكون على شبه قيامته أيضًا"- ولهذا تمسّكنا في كنيستنا الأرثوذكسيّة بالتّغطيس في التّعميد- وهي أيضا دعوة للسلوك بجدّة: "فدفنّا معه في الموت حتّى إنّا كما أقيم المسيح من بين الأموات لمجد الآب كذلك نسلك نحن أيضا في جدّة الحياة".
إذًا الكنيسة بعد القيامة تشدّد على فكرة أنّ من اشترك في آلام السّيّد المسيح يشترك حتمًا في قيامته، ويكون ذلك له قوّة للسلوك في حياة قياميّة جديدة. هذا ما نسمعه في المعموديّة، وهذا ما نسمعه أيضًا في هذه الأيّام المباركة، "أن نخلع الإنسان العتيق ونلبس الإنسان الجديد". أن نخلع إنساننا المخلّع القديم ونلبس إنساننا المعافى الجديد القائم مع المسيح.
هذا هو أحد معاني هذا الأحد الثّالث بعد القيامة أن نتذكّر أنّنا بالمعموديّة أُعطينا قوّة قياميّة، وتتجدّد هذه القوّة كلّ سنة بالقيامة، حيث نُعطى فرصة جديدة لتجديد إنساننا المخلّع فنصبح بقوّة الرّبّ القائم قادرين على تخطّي خطايانا وهفواتنا ونزواتنا وضعفاتنا، وخلعها ورميها وراءنا لنتقدّم إلى الأمام سائرين فرحين بنور القيامة الّذي لا يغرب أبدًا، مختبرين قوّة الرّبّ في حياتنا القادرة أن تجدّدنا وتدفعنا مرّة أخرى لترك إنساننا العتيق ولبس الجديد.
وهكذا دواليك نتجدّد، وتتجدّد حياة المسيح القائم فينا، فنصبح أبناءً حقيقيّين شاهدين له ولقيامته، له المجد، آمين.
الأسقف ديمتري شربك