اليوم هو الأحد الخامس بعد القيامة، وهو الأحد المعروف بأحد الأعمى. ونحن إذا مررنا سريعاً على كل الآحاد التي سبقته حتى القيامة فإننا سنرى خبرة الكنيسة وقد تجسدت في هذا الترتيب، فأولاً هناك:
أحد القيامة ◄ أحد توما ◄ أحد حاملات الطيب ◄ أحد السامرية ◄ أحد المخلع ◄ أحد الأعمى، وبتدقيق في هذا الترتيب يمكننا أن نخلص إلى أنه يمكننا أن نقسم هذه الآحاد إلى ثلاث مجموعات:
أحد القيامة وأحد توما، وفيهما رأينا قيامة المسيح، ثم تأكد توما ومعه نحن بأنها قد تمت حقيقة.
أحد حاملات الطيب وأحد السامرية نرى فيهما ردة الفعل الطبيعية والأساسية على حدث القيامة أعني الذهاب للبشارة واعلان القيامة.
أحد المخلع وأحد الأعمى نرى فيهما آثار ومفاعيل القيامة، شفاء ونهوض وتجديد للإنسان.
هذه هي المسيرة الفصحية، دعوة لحياة جديدة، انتصار على الخطيئة وتجديد للحياة. قيامة المسيح هي انتصار على الموت وتحرير لنا من الخطيئة ومن كل نتائجها، إنها عودة للحياة في الفردوس. من هنا كانت القيامة إعادة خلق للإنسان بعد أن تشوهت صورة الله فيه بالخطيئة. وهذه هي رسالة الكنيسة اليوم بوضعها أحد الأعمى بعد القيامة.
المسيح أراد أن يثبت بالفعل والقول أننا جميعاً أخذنا قوة القيامة فأثبت ذلك عن طريق هذا الأعمى منذ مولده مُحققاً ما جاء إلينا من أجله أي إعادة خلقنا، فنرجع اليه متخلصين من عمانا فيظهر مجد الله فينا.
عمى هذا الإنسان لم يكن نتيجة خطيئته، وكيف يكون ذلك وهو ولد أعمى؟ متى أخطأ ؟
أيضاً لم يكن عماه نتيجة خطيئة والداه لأن الخطيئة لا تنتقل بالوراثة ونحن لا نحمل خطايا من سبقونا، العمى كان ليظهر مجد الله فيه، لتظهر قوة القيامة من حيث هي انتصار على الخطيئة والشر.
نحن جميعاً أولاد آدم وحواء حملنا نتيجة الخطيئة الأولى، فدخل المرض والتعب والشيخوخة وتالياً الموت إلى حياتنا، والمسيح إذ جاء الينا لينقذنا من هذه الآلام والأوجاع حررنا من الموت فلا يعود يتسلط علينا بعد ذلك منظهر نحن أيضاً غالبين الخطيئة بقوة قيامته.
وكيف نتخلص من آثار الخطيئة إن لم يُعد الله خلقنا؟ هذا ما فعله المسيح مع هذا الأعمى، جبل تراباً وكأننا في الفردوس لحظة الخلق وطلى عيني الأعمى وأرسله ليغتسل في البركة. المسيح كان يعلم أن هذا الأعمى البصر إن عاد بصره فتستنير بصيرته أيضاً، لهذا كان اعتراف هذا الإنسان بالمسيح نبياً أمام المجمع اليهودي ثم اتباعه ليسوع والسجود له نقطة تحول هامة في حياته. عمى بصره لم يكن معناه عمى بصيرته لكنه عندما أبصر، أبصر ما هو مهم لخلاصه فالتقى يسوع وأبصره نوره فاعترف به كابن لله.
هذا عكس ما كان حاصلاً مع الفريسيين الذين وإن كانوا مُبصرين ببصرهم إلا أنهم كانوا عمياناً ببصيرتهم فلم يفدهم البصر شيئاً.
لقد سَدّ هؤلاء الفريسيون آذانهم عن سماع شهادة هذا الأعمى وأهله كما وأغلقوا عيونهم عن رؤية حقيقة العجيبة التي حدثت بالرغم من استحالة انجازها، فلم يستفيدوا من الإمكانيات التي أعطاهم اياها الله ولم يستغلوها فصحّ بهم قول الكتاب (لهم آذان لايسمعون ولهم عيون لا يبصرون).
لقد أُعميت بصيرتهم بسبب أنانيتهم، بسبب شهواتهم وأهوائهم، لأن هذه الشهوات والأهواء هي العمى الحقيقي الذي يمكن أن يصيب الإنسان، فأنانيتنا سبب عمى لنا وكبرياؤنا سبب عمى لنا، وحب المال وحب المجد الباطل والحسد كلها تجعل حاجزاً بيننا وبين الرب يسوع فلا نعد بعد قادرين على رؤية نوره بالرغم من أننا مفتوحي الأعين مبصرين. إذا رغبنا في رؤية النور الحقيقي للقيامة علينا أن نتخلص أولاً مما يمنعنا عن ذلك، علينا إزالة القشور عن عيوننا لنتمكن من رؤيته، علينا أن نأتي إلى ذلك المُرسل لأن عنده الشفاء للبصر كما للبصيرة.
بصرنا تبدأ أهميته عندما نستخدمه لإنارة بصيرتنا، فيكون سبب خلاص لنا حقاً ونؤهل لرؤية نور المسيح في هذا الدهر والإستعداد لرؤيته في الدهر الآتي. آمين.
الأسقف ديمتري شربك