يمكننا القول بأنّ الرّوح القدس يدخلنا في سرّ المسيح. قوّته تهدف إلى توليد حياة المسيح داخلنا، مُوحّدة كلّ المؤمنين في جسد المسيح الّذي هو الكنيسة، مُدخلة إلى العالم كلّه نور وجهه المتألّق.
عيد العنصرة
للأسقف ديمتري شربك
نحتفل في هذا الأحد المبارك بعيد العنصرة المجيد، ويسمى أيضًا عيد الخمسين أي الاحتفال الّذي يقع بعد خمسين يومًا من عيد القيامة المجيد، وفيه نحتفل بتذكار حلول الرّوح القدس على التّلاميذ.
إنّ عمل وفعل وقوّة الرّوح القدس، كما هو عمل وفعل وقوة الابن، يُعبّر عنه بكلمات تُظهر بوضوح ما فهمته الكنيسة حول دور هذا الرّوح فيها.
فالروح هو مقدِّس: لقد عبّر المغبوط أوريجنس عن هذا الأمر بشكل رائع، واستُخدم فيما بعد هذا التّعبير من قبل القدّيس أثناسيوس الكبير، إنّ الاشتراك بالرّوح القدس من قبل كلّ الخليقة، والّتي ليست بجوهرها مقدّسة، يحوّلها إلى مقدَّسة.
الرّوح هو مُحْيٍ: كما نقول في دستور الإيمان "وبالرّوح القدس، الرّبّ المحيي...". وأيضًا في ترتيلة سحر الأحد للحن الرّابع نقول: "بالرّوح القدس تحيا كلّ نفس وتتنقى مرتفعة ولامعة بالثّالوث الواحد بحال شريفة سريّة".
الرّوح هو منير وبه نستنير: في المزمور (35) نقول: "وبنورك نعاين النّور". وهذا المقطع مستخدم أيضًا في ترتيلة المجدلة الكبرى. وهذا المقطع شرحه القدّيس باسيليوس كالتالي: "بنور الرّوح سنرى نحن النّور الحقيقيّ، الّذي ينير ويقدّس كلّ إنسان آتٍ إلى العالم" (يو 9:1).
والرّوح هو مُنَقٍّ ومُطهّر: فالرّوح القدس هو الّذي يغفر الخطايا، وينقّي الأجساد بالجهاد، ويقوّي الشّهداء، ويحرّض على ذرف الدّموع عند التّائبين، ويشجع على حفظ الوصايا ويعلّم كلّ الفضائل.
وهنا لا بدّ من القول أنّ التّقارب بين روحنا وروح الله يتمّ بالصّلاة. من هنا كانت كلّ صلاة تحوي في داخلها استدعاءً للرّوح القدس، وهذا ما يجعل الصّلاة فاعلة، إذ تنال قوّتها من قوّة الرّوح القدس. لهذا نبدأ كلّ صلاة بالقول: "أيّها الملك السّماويّ، المعزّي روح الحقّ..."، وهي صلاة الرّوح القدس بامتياز، والّتي نبدأ من اليوم بقولها بعد أن انقطعنا عن ذلك طيلة فترة القيامة.
وبما أنّ الصّلاة بامتياز هي الصّلاة الأفخارستيّة فإنّ استدعاء الرّوح القدس وحضوره وعمله واضح جدًّا في القدّاس الإلهيّ "نطلب ونتضرّع ونسأل فأرسل روحك القدّوس علينا وعلى هذه القرابين الموضوعة ."
من هنا يمكننا القول بأنّ الرّوح القدس يدخلنا في سر المسيح. قوّته تهدف إلى توليد حياة المسيح داخلنا، مُوحِّدة كلّ المؤمنين في جسد المسيح الّذي هو الكنيسة، مُدخلة إلى العالم كلّه نور وجهه المتألّق.
فاسكب ياربّ علينا روحك القدّوس وهلّم واسكن فينا وطهّرنا من كلّ دنس وخلّص أيّها الصّالح نفوسنا.
الأسقف ديمتري شربك