هكذا إذًا يكون الإنسان المسيحيّ السّاعي إلى القداسة يعترف دائما بإيمانه، ويعبّر بتصرّفاته وأعماله عن محبّته الكاملة نحو الله، ويكون مستعدّا دائما للتّضحية والتّخلّي من أجل الله.
أحد جميع القدّيسين – الأسقف ديمتري شربك الجزيل الاحترام
افتتاحيّة البشارة
تعيّد كنيستنا المقدّسة اليوم في الأحد الأوّل بعد العنصرة لعيد جميع القدّيسين.
وهل هناك أجمل وأفضل من هكذا عيد للأحد الأوّل بعد العنصرة ليُظهر بوضوح أهم أعمال ومفاعيل الرّوح القدس بتحويل المؤمنين إلى قدّيسين.
ولهذا فالكنيسة اليوم بالمقطع الإنجيليّ الّذي تُلي على مسامعنا، تضع أمامنا ثلاثة طرق للوصول إلى القداسة، لتذكّرنا وتحثّنا على المضيّ قدما في هذه الطّريق المباركة:
أوّلا، الإنسان المسيحيّ المؤمن ليصير قدّيسا عليه أن يكون معترفا، "من يعترف بي قدّام النّاس، أعترف أنا به قدّام أبي الّذي في السّماوات."
ولكي يعترف الإنسان بالله عليه أوّلا أن يتعرّف عليه، أن يلتقيه، أن يعيش وإيّاه، أي أن يعيش الله في قلبه ويحيا هو في قلب الله.
هكذا يصبح الاعتراف نابعا من القلب، صافيا، نقيّا، محييا وينبوعا للحياة.
ثانيا، الطّريق الثّاني للوصول إلى القداسة هو محبّة الله الكاملة: "من أحبّ أبا أو أمّا أكثر منّي فلا يستحقّني، ومن أحبّ ابنا أو بنتا أكثر منّي فلا يستحقّني".
أي ليس لنا الحقّ أن نحبّ أحدا أكثر من حبّنا لله. لأنّنا خُلقنا منه وإليه نعود. هو أحبّنا حتّى النّهاية، أحبّنا حتّى بذل ابنه الوحيد من أجلنا. مات عنّا لنحيا نحن به ومعه. هو خلقنا على صورته ومثاله، ولا يطلب ألّا نحبَّ أهلنا أولادنا وأقاربنا بل على العكس تماما، يريدنا أن نحبّهم ونحترمهم وكلّ ذلك انطلاقا من حبِّنا الكامل له. هكذا تكون محبَّتنا لهم قلبيّة نقيّة صافية بعيدة عن الأنانيّة والمصلحة الذّاتية.
ثالثا، الطّريق الثّالثة للوصول إلى القداسة هي روح التّضحية، روح التّخلّي والترك. هذا ما عبّر عنه التّلاميذ في كلامهم مع معلّمهم "ها نحن قد تركنا كلّ شيء وتبعناك". ولهذا أجابهم السّيّد: "الحقّ الحقّ أقول لكم إنّكم أنتم الّذين تبعتموني في جيل التّجديد متى جلس ابن البشر على كرسيّ مجده تجلسون أنتم أيضا على اثني عشر كرسيًّا تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر".
عندما نقدِّم تضحية نأخذ مكافأة... الله يعوِّضنا مباشرة. لا نظنّ أنّنا عندما نقدِّم نخسر، بل العكس تماما نحن نربح. إن كنّا مرّات نقدّم للنّاس ونضحّي من أجل النّاس، وبعد ذلك نخرج خاسرين، فهذه المعادلة لا تنطبق على العلاقة مع الله. مع الله نحن دائما رابحون.
هكذا إذًا يكون الإنسان المسيحيّ السّاعي إلى القداسة يعترف دائما بإيمانه، ويعبّر بتصرّفاته وأعماله عن محبّته الكاملة نحو الله، ويكون مستعدّا دائما للتّضحية والتّخلّي من أجل الله.
هذه الطّرق تقود الإنسان نحو اقتناء الفضائل وصولا إلى القداسة بإرشاد الرّوح القدس. وهذه الصّفات ميّزت الآباء القدّيسين وأظهرتهم كمعلّمين ومبشّرين، مثل الرّسل الأطهار الّذين نعيّد لهم اليوم، وكصانعي عجائب، مثل القدّيسين قزما ودميان الطّبيبين الشّافيين، اللّذين سنعيّد لهم غدا.
هؤلاء القدّيسون هم شفعاء وأحبّاء لنا، نكرّمهم ونكرّم أنفسنا بهم. صلواتنا في هذا اليوم المبارك أن يبارك الله حياتنا وعائلاتنا وبلادنا ورعايانا بصلواتهم وأن يقودنا بإرشاد روحه القدّوس إلى طريق القداسة، آمين.
الأسقف ديمتري شربك