قصّة العثور على الصليب
اقترح البطريرك مكاريوس أن تضع واحداً تلو الآخر على جثة أحد الموتى الذين كانت تمر جنازتهم بالمكان في ذلك الوقت، فعندما وُضع على الصليب الأول والثاني لم يحدث شيء، وعندما وُضع على الصليب الثالث، عادت للميت الحياة بأعجوبة باهرة، وبعد ذلك وضعوا الصليب على إمراة مريضة فشفيت في الحال، عندئذ رفع البطريرك مكاريوس خشبة الصليب ليراها جميع الحاضرين فرتلوا "يا رب ارحم" ودموع الفرح تنهمر من عيونهم.
القصة المذكورة عن اكتشاف خشبة الصليب المقدس:
يرتبط عيد رفع الصليب المقدس بذكرى استرجاع خشبة عود الصليب الذي عُلِّق عليه الربّ يسوع المسيح فأصبح رمزاً للفداء والقيامة والمجد.
تخبرنا الأناجيل أن اليهود طلبوا من بيلاطس صلب يسوع، فخرج المسيح حاملاً صليبه إلى الموضع المسمّى الجلجلة. ومن الثابت أن يسوع مات على الصليب، وبعد موته اهتم يوسف الرامي، بإذن من الوالي بيلاطس البنطي، بإنزال جسد المسيح ووضعه في قبره الخاص الجديد.
† لكن ماذا جرى لصليب المسيح؟ لقد طمروه في التراب مع الصليبين الآخرين وبسب ما لاقاه المسيحيون من اضطهاد في القرون الثلاثة الأولى لم يجسر أحد على ذكره أو البحث عنه .
† لما وقعت الحرب بين الملك قسطنطين وخصمه مكسانس سنة 312 طلب الملك قسطنطين المعونة من إله المسيحيين، فظهر له صليب في الجو وحوله هذا الكتابة: " بهذه العلامة تنتصر".
عندها آمن الملك قسطنطين بالمسيح وأمر برسم الصليب على تروس جنوده وانتصر في الحرب، ثم أصدر مرسوم ميلانو سنة 313 وأقرَّ للمسيحية حق الوجود واعترف بالدين المسيحي وسمح به.
† بعد هذا الظهور للصليب، ذهبت والدة الملك قسطنطين، القديسة هيلانة، إلى القدس تبحث عن صليب المسيح. وعندما سألت عن الأمر أخبروها بأن الصليب مدفون بالقرب من معبد فينوس الذي أقامه الأمبراطور أدريانوس، فأمرت بحفر المكان وعثرت على ثلاثة صلبان، ولمّا لم تعرف أيّها صليب السيد المسيح الحقيقي، اقترح البطريرك مكاريوس أن تضع واحداً تلو الآخر على جثة أحد الموتى الذين كانت تمر جنازتهم بالمكان في ذلك الوقت، فعندما وُضع على الصليب الأول والثاني لم يحدث شيء، وعندما وُضع على الصليب الثالث، عادت للميت الحياة بأعجوبة باهرة، وبعد ذلك وضعوا الصليب على إمراة مريضة فشفيت في الحال، عندئذ رفع البطريرك مكاريوس خشبة الصليب ليراها جميع الحاضرين فرتلوا "يا رب ارحم" ودموع الفرح تنهمر من عيونهم، فرفعت القديسة هيلانه الصليب المقدس على جبل الجلجلة وبنت فوقه الكنيسة المعروفة إلى يومنا هذا كنيسة القيامة.
† وتأكيدأ على صحة هذه القصة يجب ذكر قول للقديس يوحنا الذهبي الفم في خطبة ألقاها بين سنة 390 - 395 والتي ذكر فيها بأن الفرق بين الصليب الصحيح والصليبين الأخرين عندما اكتشفتهما الملكة هيلانة كان واضحاً من اللوحة التي كُتبت بأمر بيلاطس والتي بقيت معلقة عليه ويرى ذلك أيضاً القديس امبروسيوس أسقف ميلانو 374 ـ397، ويضيف إلى ذلك بأن هيلانة أم قسطنطين التي اكتشفت خشبة الصليب المقدس فعلاً.
† في سنة 614 م كان كسرى ملك الفرس قد اجتاح اورشليم وأسر الوف المسيحيين وفي مقدمتهم البطريرك زكريا، ونقلهم إلى بلاده، وأخذ ذخيرة عود الصليب الكريم غنيمة، وبقيت في حوزته أربع عشرة سنة.
† عام 628 م استطاع الأمبراطور البيزنطي هرقل الانتصارعلى الفرس، كانت أهم شروطه اطلاق المسيحيين وإرجاع ذخيرة خشبة الصليب المقدس. وكان كسرى الملك قد مات وملك مكانه ابنه سيراوس فقبل هذا بالشروط وأطلق الأسرى سالمين مع البطريرك زكريا بعد أن قضوا في الأسر 14 سنة، وسلّم ذخيرة عود الصليب إلى الأمبراطور هرقل وكان ذلك سنة 628. فأتى بها هرقل إلى القسطنطينية التي خرجت بكل ما فيها الى استقباله بالمصابيح وتراتيل النصر والإبتهاج.
† وبعد مرور سنة جاء بها الإمبراطور هرقل إلى أورشليم ليركز عود الصليب في موضعه على جبل الجلجلة. فقام لملاقاته الشعب وعلى رأسهم البطريرك زكريا، فاستقبلوه بأبهى مظاهر الفرح والبهجة بالمشاعل والترانيم وساروا حتى طريق الجلجلة. وهناك توقف الملك بغتة بقوة خفية وما أمكنه أن يخطو خطوة واحدة، فتقدم البطريرك وقال للملك: "إن السيد المسيح مشى هذه الطريق حاملاً صليبه، مكللاً بالشوك، لابساً ثوب السخرية والهوان، وأنت لابس أثوابك الأرجوانية وعلى رأسك التاج المرصّع بالجواهر، فعليك أن تشابه المسيح بتواضعه وفقره". فأصغى الملك إلى كلام البطريرك، وارتدى ثوباً حقيراً ومشى مكشوف الرأس، وتابع مسيره حافي القدمين حتى الجلجلة حيث رفع عود الصليب المكرّم فسجد المؤمنون على الأرض وهم يرنمون (لصليبك يارب نسجد ولقيامتك المقدسة نمجد) وكان ذلك في 14 أيلول 628 م. فشمل الفرح العالم المسيحي الشرقي وأخذ الناس يتباركون من خشبة الصليب المقدس التي حلَّ عليها تم سرّ الفداء. بعدها نقلت الذخيرة إلى إورشليم سنة 631.
† ومنذ ذلك الحين والكنيسة تحتفل بهذا العيد العظيم: عيد رفع الصليب المقدس كل سنة في 14 أيلول.
ملاحظة: بعض المؤرّخين راقَ له أن يطعن بصحّة مغامرة الملكة لإيجاد الصليب، ولكنّ العلماء جميعًا يتّفقون على مصداقيّة المؤرّخين الكنسيّين الّذين دوّنوا تلك الأحداث: أوسابيوس، وسوزومينوس، وسقراط.
(عن موقع البطريركية)