كلمة سيادة المتروبوليت باسيليوس منصور الجزيل الحتر ام في افتتاحية البشارة يوم الأحد الثاني والعشرين بعد العنصرة 2017 كلمة الراعي صوم الميلاد الأربعيني تدخل الكنيسة الشرقية الأرثوذكسية في الصوم الميلادي الأربعيني، اعتباراً من الخامس عشر من تشرين الثاني الجاري وحتى الرابع والعشرين من كانون الأول. حددت هذه المدة بقرار من المجمع المنعقد في القسطنطينية عام 1166، حيث ثبّت بأربعين يوماً بعدما كان يمارس سبعة أيام، وفي بعض المناطق سبعة أسابيع. مما لا شك فيه ان ممارسة الصوم وجدت في حياة الشعوب القديمة وسيلة للسمو الروحي، والترفّع عن الدنيويات والملذات الجسدية. ليس الصوم هدفاً في ذاته إنما وسيلة لبلوغ الهدف، وليس هدف الاختطاف النفسي والديني، وليس هو حرماناً ولا كبتاً ولا جوعاً وعطشاً، ولا جهاداً ضدّ النفس أو تعذيباً للجسد، انما الصوم وسيلة لتتجه نحو الله قبل القيام بمهمة صعبة، أو لطلب الصفح عن الخطأ، أو التماس الشفاء. الصوم هو الباب الذي يدخل منه النور الإلهي إلى الإنسان، هو ترقب النعمة الضرورية لإتمام رسالة ما، والاستعداد وانتظار لمجيء المسيّا (الرب يسوع المسيح)، هذا هو الهدف من الصيام الميلادي، نحن ننتظر المخلص يسوع المسيح. قال الذهبي الفم: "إني أحزن من انكم تفتكرون ان هذا (أي الصوم)، الذي هو أدنى الفضائل كاف للخلاص، مع ان أموراً أخرى أعظم منه كالمحبة والتواضع...". الاّ ان الصوم هو أول وصية اعطاها الله للانسان (تك17:2)، لكي يعلمه العفة والطاعة لخالقه التي لما انحرف عنها، نُفي من السلام والسعادة وحُكم عليه بالموت (تك3). موسى صام أربعين يوماً استحق أن يعاين الله وأخذ الوصايا العشر (خر28:34)، وايليا صام أربعين يوماً فاستحق أن يخاطب الله في حوريب (1مل8:19)، ودانيال صام ثلاثة أسابيع، وأهل نينوى أيضاً، لهذا امر الرب شعبه بأن يصوم، فقال على فم يوئيل النبي: "قدّسوا الصوم..." (يوئيل12:2)، والسيد المسيح الذي لم يكن محتاجاً إلى الصوم أخرجه الروح القدس إلى البرية، فصام أربعين يوماً وأربعين ليلة (لو2:4)، وأيضاً علم عن صوم الرسل اذ كانوا يصومون "فصاموا حينئذ وصلوا" (أع3:13). اذاً فالآباء القديسون وضعوا لنا صوم الميلاد، حتى يهيئوا لكل منا المستوى الروحي الرفيع، الذي نستطيع أن نستقبل من خلاله قبول سر التجسد الإلهي، الذي هو مشروع الله الخلاصي لجميع البشر، لأنه يستحيل على الإنسان الطبيعي، المنغمس في أمور العالم وحطام هذه الدنيا، أن يقبل مثل هذا السر الفائق للطبيعة، لذلك إذا لم يرتفع الإنسان إلى ما هو فوق الطبيعة بكل كيانه، حتى يتهيأ عقل الإنسان بمجرد التفكير في امكان سر التجسد وأهميته، فلن يستطيع أن يدرك هذا السر ويعرفه، لأنه يستحيل أن يأتي المسيح إلينا وطريقنا معوّج، وأيضاً لا يمكن أن يأتينا المسيح ونحن في علو كبريائنا، أو هل يمكن أن يأتينا ونحن في اليأس، أو كيف نراه أو نعرفه ونحن نعيش في صراع وتمزق في ذاتنا. لذا وضع الصوم لتدريب النفس على التقدم في الحياة الروحية، والمصالحة مع الذات مع الآخرين ومع الله، وهو احدى العلامات الظاهرة للدخول مع الله في عهود جديدة، بالصوم يبدأ الإنسان يتشوق لعشرة الله ويعشق ملازمته. ولا يعتقدن أحد أن الصوم هو الصوم عن الطعام وحده، هو لا يكفي لبلوغ الهدف المنشود، الاّ إذا صام المؤمن صوماً ذاتياً داخلياً، صام عن الاهواء، الغضب، الحسد، النميمة، الضلال... أما الصوم الحقيقي فهو فعل المحبة التي تأتي ربحاً في الدرجة الاولى. الصوم هو حمل الصليب أن ننكر ذاتنا، وأن نرفض كل ما حسبناه ربحاً في هذا العالم، وأيضاً الصوم الحقيقي هو التوبة الحقيقية، التي تجعل الصوم صوماً، وبدونها لا يحسب الصوم شيئاً، إذاً فالصوم بدون التوبة لا يبرر ولا يؤهل لاستقبال المخلص. إذا صمنا وأكملنا هذه الطريق إلى النهاية، في هذه الروح وفي هذا الفهم، يكون وجه المسيح قد أشرق علينا وأنار ذهننا، اذ يتبدد كل كبريائنا وضعفنا، ونكون قد اتخذنا منه كل الصفاء والوداعة، والاتضاع والمحبة والقوة، حينئذ نعلم ونفهم معنى الميلاد، ونتذوق تجسده الفائق الطبيعة، هو ما يؤدي بنا إلى أن نجعل قلوبنا مذوداً دائماً لولادة السيد المخلص، ونرتقي إلى العلى فرحاً بولادته، وأن نحيا به فنصرخ مع بولس الرسول: "لا أحيا أنا بل المسيح يحيا فيّ" (غلا20:2). باسيليوس مطران عكار وتوابعها