ما أن يحلّ فصل الشتاء في نصف الكرة الأرضيّة الشماليّ، حتّى تبدأ كنيسة المسيح بالاحتفال
1
الفصح الشتوي
ما أن يحلّ فصل الشتاء في نصف الكرة الأرضيّة الشماليّ، حتّى تبدأ كنيسة المسيح بالاحتفال ب <<الفصح البهج الثلاثيّ الأيّام>>. يشرح أحد المفسّرين الأرثوذكس الروس المعاصرين، كلمات تيبيكون الكنيسة الأرثوذكسيّة هذه بما يلي:
<<ينتمي عيد ميلاد المسيح إلى الأعياد الكنسيّة الاثني عشر الرئيسة المدعوّة بالأعياد السيديّة. ولا تحتفل الكنيسة بأيّ منها بالوقار الذي تحتفل به بعيد ميلاد المسيح. إنَّها تدعوه فصحاً: فصحاً بهجاً ثلاثيّ الأيّام(1)>>.
يدعى عيد ميلاد المسيح فصحاً في طبعات التيبيكون القديمة، على غرار قيامة المسيح المجيدة. تشدّد هذه التسمية على العلاقة المتينة بسرّ خلاصنا ونجاتنا من الخطيئة والموت، السرّ الذي تخبّر الكنيسة المقدّسة بواسطته عن تعاليمها العقائديّة، والذي به تجلبنا إلى احتكاك روحيّ مباشر بواسطة خِدَمها وأسرارها الليتورجيّة(2).
يسمّى عيد الميلاد رسميّاً بعيد ميلاد ربّنا وإلهنا ومخلّصنا يسوع المسيح بالجسد. وتحاكي طقوسه الليتورجيّة نموذج عيد الفصح، والقيامة المقدّسة. فهناك أربعون يوماً من الصوم واستعداد يسبق الميلاد. تضاف أيضاً ساعات ملوكيّة مع قراءات من الأنبياء والرسل والأناجيل، وترانيم عشيّة العيد، يتبعها قدّاس برامون العيد للقدّيس باسيليوس الكبير، مبتدئاً بصلاة الغروب، ومع سهرانيّة تتوّج بقانون السَحَر وترانيمه. وأخيراً بعد الاحتفال الإفخارستيّ بقدّاس القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم يوم العيد ذاته، يتابع الاحتفال ويتمّم بعيد دخول ربّنا إلى الهيكل في اليوم الأربعينيّ، ثمّ بعيد <<الأنوار>> (الغطاس)، ورسميّاً يسمّى عيد ظهور ربّنا وإلهنا ومخلّصنا يسوع المسيح.
تتبع خِدَم الميلاد والغطاس الليتورجيّة نموذج خِدَم الفصح (موت المسيح وقيامته). فولادة الربّ ومعموديّته ترتبطان بموته وقيامته. فقد وُلد لكي يموت. واعتمد لكي يقوم.
اليوم عُلِّق على خشبة، الذي علّق الأرض على المياه
اليوم يولد من البتول الضابط الخليقة بأسرها في قبضته
إكليل من شوك وُضع على هامة ملك الملائكة
الذي بجوهره غير ملموس، يُدرَج في الأقمطة كطفل
برفيراً كاذباً تسربل، الذي وشّح السماء بالغيوم
الإله الذي ثبّت السموات قديماً منذ البدء، يتّكئ في مذود
قَبِل لطمةً، الذي أعتق آدم في الأردن
الذي أمطر للشعب منّاً في القفر، يغتذي من الثديين لبناً
ختن البيعة سُمّر بالمسامير
ختن البيعة يستدعي المجوس
وابن العذارء طُعن بحربة
وابن العذراء يتقبّل منهم الهدايا
نسجد لآلامك أيّها المسيح (3)
نسجد لميلادك أيّها المسيح (3)
فأرنا قيامتك المجيدة
فأرنا ظهورك الإلهيّ(3)
يسوع الطفل المضطجع في مغارة في مملكة أغسطس قيصر، هو المضطجع في قبر في مقاطعة بيلاطس البنطيّ. الذي فتّش هيرودس عنه هو نفسه الذي يمسكه قيافا. لقد دُفن في المعموديّة كما نزل إلى الموت بواسطة الصليب. إيّاه الذي سجد له المجوس ستسجد الخليقة كلّها له في انتصاره على الموت. فصح صليبه أعدّه فصح مجيئه. ابتدأ فصح قيامته بفصح تجسّده. سبق فصح معموديّته فأنبأ بفصح تمجيده. لهذا فالمسيحيّون يحتفلون كلّ سنة بما كان الأب ألكسندر شميمن قد سمّاه لأوّل مرّة <<فصح الشتاء>>(4).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ك. نيكولسكي بوسوبيه. (دليل إلى فهم تيبيكون الكنيسة الأرثوذكسيّة الليتورجيّ)، سان بيترسبورغ، 1900، ص 539. لا يُعَدّ عيد القيامة من بين الأعياد السيديّة الاثني عشر في الكنيسة الأرثوذكسيّة. ففي التقليد الأرثوذكسي يعتبر عيد القيامة (الفصح) وحده <<عيد الأعياد وموسم المواسم>> كما تقول الأودية التاسعة من قانون الفصح.
(2) دليل الخادم الليتورجيّ، بطريركية موسكو، 1977، ص 511.
(3) من ترانيم خدمة السَحَر والساعة التاسعة عشيّة الجمعة العظيمة وعشيّة الميلاد.
(4) يدعو التيبيكون الأرثوذكسيّ الميلاد ب <<الفصح البهج الثلاثيّ الأيّام>> بينما تعبير <<الفصح الشتويّ>> استعمله الأب ألكسندر شميمن، عميد سابق وإخصائيّ في اللاهوت الليتورجيّ في معهد القدّيس فلاديمير اللاهوتيّ، ولذكراه نهدي هذا الكتاب.
