في الغد أراد يسوع أن يخرج إلى الجليل، فوجد فيلبّس فقال له: <<اتبعني>>. وكان فيلبّس من بيت صيدا، من مدينة أندراوس وبطرس. فيلبّس وجد نثنائيل وقال له: <<وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياء يسوع
تعال وانظر
يبدأ موسم الميلاد – الظهور، في الكنيسة الأرثوذكسيّة، قبل عيد الميلاد المجيد بأربعين يوماً، ويقع عشيّة عيد <<الرسول الكلّي المديح القدّيس فيلبّس>>. لهذا يسمّي البعض صوم الميلاد <<صوم فيلبّس>>(1) ورغم أنّ وقوع عيد هذا القدّيس عشيّة بدء الصوم الميلاديّ، أمر عَرَضيّ، إلا أنّنا نستطيع التكلّم بشريّاً، ونرى مصادفته بعيون الإيمان عنايةً إلهيّةً.
بحسب إنجيل يوحنّا، القدّيس فيلبّس هو أحد أوائل الرسل الذين دعاهم الربّ يسوع. وقد حدث هذا في اليوم التالي لدعوة أندراوس وتلميذ يوحنّا المعمدان الآخر، الذي نفترض أنّه يوحنّا الإنجيليّ نفسه، لأنّ الإنجيل لا يذكر اسمه. ونرى أنّ فيلبّس يذهب وينادي صديقه نثنائيل، تماماً كما أنّ أندراوس ذهب ودعا أخاه سمعان بطرس. يروي الإنجيل قصّة دعوته كما يلي:
في الغد أراد يسوع أن يخرج إلى الجليل، فوجد فيلبّس فقال له: <<اتبعني>>. وكان فيلبّس من بيت صيدا، من مدينة أندراوس وبطرس. فيلبّس وجد نثنائيل وقال له: <<وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياء يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة>>. فقال له نثنائيل: <<أمن الناصرة يمكن أن يكون شيء صالح؟>> قال له فيلبّس: <<تعال وانظر>>.
ورأى يسوع نثنائيل مقبلاً إليه، فقال عنه: <<هوذا اسرائيليّ هقّاً لا غشَ فيه>>. قال له نثنائيل: <<من أين تعرفني؟>> أجاب يسوع وقال له: <<قبل أن دعاك فيلبّس زأنت تحت التينة، رأيتك>>. أجاب نثنائيل وقال له: <<يا معلّم، أنت ابن الله! أنت ملك إسرائيل!>>. أجاب يسوع وقال له: <<هل آمنت لأنّي قلت لك إنّني رأيتك تحت التينة؟. سوف تعاين أعظم من هذا!>>. وقال له: <<الحقّ الحقّ أقول لكم: من الآن ترون السماء مفتوحة، وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الإنسان>>. (يو1: 51:43).
إنّها رواية إنجيل يوحنّا تماماً. يلتقي الناس أةّلاً الرجل <<يسوع الناصريّ، ابم يوسف>>. يلتقونه كإنسان، كأحد <<الذين كتب عنهم موسى في الناموس أو الأنبياء>>. ثمّ يتقدّمون في معرفته. فيرون أنّه ليس فقط مجرّد نبيّ موعود أو معلّم، أنّه الممسوح، المسيح، مسيّا، ملك إسرائيل. إنّه ابن الله. إنّه الله نفسه في شكل سرّيّ.
إنّها طريقة إنجيل يوحنّا دائماً. ونقرأها في روايات المخلّع عند البركة، والمرأة السامريّة عند البئر، والمولود أعمى، وفي لقاء مريم ومرتا مع يسوع عند قبر لعازر. تعاقب الأحداث متماثل. إنّه تعاقب ضروريّ، ليس فقط تاريخيّاً، بل روحيّاً وروحانيّاً أيضاً.
يجب أن نأتي أولاً لنرى يسوع الإنسان، يجب أن نأتي لنعرفه ككائن إنسانيّ حقيقيّ، يهوديّ، رابيّ، نبيّ. يجب أن نلتقيه كابن مريم، ابن النجّار، الناصريّ. ثمّ، في ذلك اللقاء، عندما تنفتح أعيننا ويتنقّى قلبنا، نستطيع أن نرى <<أشياء أعظم>>.
نستطيع أن نتقدّم لنراه لا كمعلّم، بل المعلّم، لا كنبيّ بل النبيّ. نعرفه ليس ابن الإنسان فحسب، بل ابن الإنسان الذي تنبّأ عنه النبيّ دانيال(2). نعرفه ليس ابن الله فقط، بل ابن الله المولود من الآب قبل كلّ الدهور(3). نعرف أن نميّزه ككلمة الله في جسد بشريّ، كصورة الله في شكل بشريّ(4). وأخيراً نراه الله نفسه، ليس الآب بل ابن الآب، إله من إله مُرسَل إلى العالم من أجل خلاصنا(5.(
الخطوة الأولى في الطريق إلى فصح الشتاء هي المواجهة (اللقاء) مع يسوع الإنسان. نحن مدعوون مع فيلبّس والتلاميذ كي <<نأتي وننظر>>. إذا كنّا نرغب بالمجيء والنظر فعلينا أن نفعل. وسوف نرى، كالتلاميذ الأوائل <<أموراً أعظم>> وأكثر ممّا توقعنا. سوف نرى يسوع كمعلّم لنا، معلّمنا، وسنصرخ إليه: <<يا معلّم، أنت ابن الله! أنت ملك إسرائيل>>. وسوف نعرفه جيّداً، من هو وما هو بالحقيقة. لكن علينا أن نأتي أوّلاً، فإن لم نأتِ لن نرى أبداً.
<<يا فيلبّس العجيب
لقد اصبحت آلة محرَّكَةً بالنسمات الإلهيّة وبإلهامات الروح القدس
وإذ ترنّمت بلسانك الناريّ في العالم
بإنجيل المخلّص الفائق العالم
أحرقت الضلالة كلّها كمادة سهلة الإحراق
وكعشب الأرض الذابل
وكرزت في المسكونة بالمسيح ربّ الكلّ وسيّدهم>>
<<بما أنّك كنت تتخذ المراقي الإلهيّة على الدوام
مثل موسى قديماً
كنت ترتاح إلى معاينة الله
فرأيت صورته بحال جليّة عندما تقبّلت مثالها
لأنّ الابن هو معرفة محضة وبرهان للآب
إذ إنّ للابن وللوالد جوهراً واحداً
بذاتيّة واحدة في الكلّ بحال شريفة
وملك وقوّة ومجد وسجود واحد>>
<<من ذا الذي لا يغبّطك أيّتها البتول الكلّية القداسة
من ذا الذي لا يسبّح مولدك البريء من الطلق والمخاض
لأنّ الابن الوحيد الشارق من الآب بمعزلٍ عن الزمن
هو نفسه أتى منكِ متجسّداً بحال لا تُفَسَّر
الذي وهو إله بالطبع قد صار إنساناً بالطبع
غير منقسم إلى وجهين ولكنّه معروف بطبيعتين
من دون امتزاج أو تشوّش
فإليه ابتهلي ايّتها الشريفة ذات الغبطة الكلّيّة
أن ترحم نفوسنا>>(6).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يقع عيد القدّيس فيلبس في الرابع عشر من شهر تشرين الثاني. لا تستخدم الكنيسة الأرثوذكسيّة عبارة (advent) للدلالة على صوم الميلاد. مع أنّ الكلمة، ذات معنى كامل، وتعود إلى التقليد الشائع في كنيسة الغرب، وتعني ببساطة <<المجيء>>.
(2) انظر سفر دانيال 7: 13-14
(3) انظر الرسالة إلى العبرانيّين 1، إنجيل يوحنّا 1: 17-18.
(4) انظر يو1 :1-18، في2 : 6-11، كول1: 15-20، عب1: 1-3.
(5) انظر يو1: 1،18:20، في2: 6، عب1: 8. صيغ هذا النص واعتُمد في قانون الإيمانّ النيقاويّ.
(6) غروب القدّيس فيلبّس.