الفصح الشّتـوي
رؤية الذين لا يرون
إذا لم نأتِ لن نرى أبداً. لكن المجيء وحده ليس كافياً. يجب أن نرى أيضاً.
كثيرون كانوا أيّام أتى يسوع إلى الأرض، ولم يروا فيه ابن الله ومخلّص العالم. وكثيرون الذين يأتون إلى الكنيسة ويبقون غير مبصرين. ويسمعون الكلمات مثل الذين تكلّم عليهم يسوع عندما كلّمهم في الأمثال، قائلاً: <<مبصرين لا يبصرون، وسامعين لا يسمعون ولا يفهمون>> (مت13: 13).
وإذا سألنا: <<لماذا يأتي البعض ويظلّ غير مبصر؟>>. المسيح يعطينا الجواب، مستشهداً بالنبيّ إشعياء، وقائلاً إنّها، ببساطة، قضيّة مشيئة. أولئك الذين لا يرون يظلّون عمياناً لأنّهم لا يريدون أن يبصروا.
فقد تَمت فيهم نبوءة إشعياء القائلة: <<تسمعون سمعاً ولا تفهمون، ومبصرين تبصرون ولا تنظرون. أنّ قلب هذا الشعب قد غلُظ، وآذانهم قد ثقُل سماعها. وغمّضوا عيونهم، لئلا يبصروا بعيونهم، ويسمعوا بآذانهم، ويفهموا بقلوبهم، ويرجعوا فأشفيهم>> (مت13: 14_15؛ إش6: 9_10).
يشير الرسول بولس إلى كلمات النبي إشعياء هذه، عندما يتأمّل وهو في بيت الأسر في روما، بفشل شعب الله بقبول يسوع على أنّه المسيح (ماسيّا) الموعود.
<<فعيّنوا له يوماً، فجاء كثيرون إلى المنزل. فطفق يشرح لهم شاهداً بملكوت الله، ومقنعاً إيّاهم من ناموس موسى والأنبياء بأمر يسوع، من الصباح إلى المساء. فاقتنع بعضهم بما قيل، وبعضهم لم يؤمنوا. فانصرفوا وهم غير مقتنعين بعضهم مع بعض، لمّا قال بولس كلمة واحدة: إنّه حسناً كلّم الروح القدس آباءنا بإشعياء النبيّقائلاً: اذهب إلى هذا الشعب وقل: ستسمعون سمعاً ولا تفهمون، وستنظرون نظراً ولا تبصرون. لأنّ قلب هذا الشعب قد غلُظ، وبآذانهم سمعوا سمعاً ثقيلاً، وأعينهم أغمضوها. لئلا يبصروا بأعينهم ويسمعوا بآذانهم ويفهموا بقلوبهم، ويرجعوا فأشفيهم>> (أع28: 23_27).
يعلّمنا المسيح أيضاً لماذا لا يرغب الشعب، عموماً، في أن يرى. يقول إنّ السبب هو أنّهم أحبّوا الظلمة أكثر من النور لأنّ أعمالهم شريرة (انظر يوحنا3: 19): النور يكشف الحقيقة. يجعل حقيقة الأشياء منظورة. الأشرار يهربون، هم يحتقرون النور. ويفضّلون عماهم والوهم الذي يخلقونه لأنفسهم عليه. إنّهم يرغبون بتجميل رؤيتهم الأمور. يرغبون، بالأخصّ، بتسوية صور لأنفسهم حسب رغباتهم. لا يريدون أن يروا أنفسهم كما هي بالحقيقة، بل كما يتمنّونها أن تكون.
وفوق هذا كلّه، يريدون الآخرين نسخة عنهم، تؤكّد آراءهم الشخصيّة. وبالأخصّ، يريدون صورة الله التي يستطيعون مسّها وتغييرها لتخدم غاياتهم الوهميّة والخدّاعة من أجل ربحهم ومتعهم الشخصيّة. لهذا فإنّ محبّي الظلمة هم أصلاً كذّابون ووثنيّون. يكذبون على أنفسهم وعلى الله. إنّهم يضعون آلهتهم الخاصّة ومن ثَمّ يكيّفون أنفسهم على صورة هذه الآلهة التي صنعوها ومثالها.
السؤال الموجَّه إلى كلّ منّا نحن الذين نشقّ طريقنا إلى فصح الشتاء، هو السؤال الذي وجّهه المسيح إلى الأعميين اللذين صرخا إليه طالبَين رحمته: <<ماذا تريدان أن أفعل بكما>> فأجاباه: <<يا سيّد، أن تنفتح أعيننا>>. وفي رواية الإنجيل، <<تحنّن يسوع ولمس أعينهما، فللوقت أبصرت أعينهما فتبعاه>> (مت20: 29_34).
نحن أيضاً يجب أن نقول، يا سيّد، افتح أعين أذهاننا وقلوبنا، واجعلنا نرى. فإنّك أنت قلت إنّ الله أبوك، وقد أرسلك إلى العالم لتدين العالم. <<لدينونة أتيت أنا إلى هذا العالم. حتّى يبصر الذين لا يبصرون. ويعمى الذين يبصرون>> (يو9: 39).
<<لأنّه هكذا أحبّ الله العالم حتّى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كلّ من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبديّة. لأنّه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم، بل ليخلّص به العالم. الذي يؤمن به لا يُدان، والذي لا يؤمن قد دين، لأنّه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد. وهذه هي الدينونة: إنّ النور قد جاء إلى العالم، وأحبّ الناس الظلمة أكثر من النور، ولا يأتي إلى النور لئلا توَبَّخ أعماله. وأما من يفعل الحقّ فيقبل االنور، لكي تظهر أعماله أنّها بالله معمولة>>. (يو3: 16_21).
هذه هي كلمات يسوع.
<<افرحي يا سماءً ناطقة
مذيعةً على الدوام مجد الله
يا من أطعت أوّلاً بحرارة دعوة المسيح
وللوقت صرت معه.
وبما أنّك استنرتَ منه
شوهدت نوراً ثانياً
وبإشراقاتك أنرت الذين في الظلام
مماثلاً له في الصلاح
فلذلك نقيم عيدك الكلّيّ القداسة
وبفرح نصافح جرن أعضائك
التي منها تُفيض خلاصاً للسائلين والرحمة العظمى>>.
<<يا من تشكلّت بشكل السابق
إنّه عندما ظهر شعاع المجد الأبويّ ذي الأقنوم
مريداً أن يخلّص جنس البشر
حينئذ بادرت إليه أوّلاً أيّها المجيد
منيراً ذهنك بكمال شعاع لاهوته
فلذلك صرت كارزاً بالمسيح إلهنا ورسولاً له
فإليه ابتهل أن ينير ويخلّص نفوسنا>> (1).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) خدمة غروب القدّيس أندراوس. انظر مت4: 12؛ لإش9: 1_2؛ عب1: 3؛ رؤ