الفصح الشّتـوي
الحبل بمريم
تحتفل الكنيسة الأرثوذكسيّة، في التاسع من شهر كانون الأوّل، بعيد حبل القدّيسة حنّة بوالدة الإله مريم (1). وهو يقع في فترة التّهيئة للميلاد المجيد، فيكون سبب بهجة للمؤمنين. لأنّ حدث الحبل بمريم هو تحقيق لصلوات والديها لكي يرزقا بولد. تصوّرت مريم في البطن، ووُلدت على الأرض، وتكرّست للرّبّ، وتربّت في الهيكل، لتصبح، بنعمة الله، أمّا لابن الله، المسيح.
بالإضافة إلى خدمة هذا العيد، هناك أيقونات ولوحات فسيفسائيّة، يكرّمها المؤمنون ويقبّلونها، وتصوّر الزّوجين يواكيم وحنّة في حالة عناق في غرفة الزّوجيّة.
"يا آدم ويا حوّاء، إطرحا عنكما كلّ حزن
لأنّ أمّ الفرح، تثمرها اليوم العاقر
بحال مستغربة"
"أيّها الجدّ إبراهيم، ويا جميع رؤساء الآباء
ابتهجوا لمشاهدتكم أمّ الإله نابتةً من أصلكم"
"إفرح يا يواكيم، وابتهجي يا حنّة
لأنّكما تثمران اليوم
علّة الفرح والخلاص للعالم"
"يا مصفّ الأنبياء ابتهجوا
لأنّ ها حنّة تثمر الثّمرة
الّتي بها نبؤاتكم تتمّ"
"إفرحوا معا يا جميع القبائل
مع حنّة العاقر
لأنّها أنبتت ثمر بطنها على غير أمل
أعني بها علّة حياتنا"
"يا أقطار الأرض ابتهجي
لأنّ أمّ خالق الكلّ
تنبت اليوم من بطن عادم الثّمر"
"اليوم كمن أصل داود
قد تفرّعت برفيرة ملوكيّة
وأخذت تنبت زهرة يسّى السّريّة
الّتي منها أزهر المسيح إلهنا المخلّص نفوسنا" (2)
لا تسمّي الكنيسة الأرثوذكسيّة، خصوصا في زمننا الحاضر، هذا العيد "الحبل بلا دنس" مع أنّه استعمل في الماضي (3)، لا لأنّ الكنيسة الأرثوذكسيّة تعتبر الحبل بمريم قد تمّ بدنس. بل لأنّها لا تريد أن تدعم الاعتقاد بأنّ الله تدخّل، بشكل ما، لحظة الحبل بمريم وقام بفعل خاص ليمحو "دنس" الخطيئة الأصليّة، المنتقلة بواسطة تناسل الجنس البشريّ. لأنّ الكنيسة الأرثوذكسيّة لا تؤمن أنّ دنسا كهذا موجود أصلا.
تشهد الكنيسة الأرثوذكسيّة، بحقيقة الخطيئة الأصليّة، كما يعلّم اللّاهوت الأرثوذكسيّ أنّ كلّ البشر، بمن فيهم العذراء مريم، الّتي هي "مجرّد إنسان" مثل البشر الآخرين، ولدوا في عالم ساقط، قابل للموت، مسكون بالأرواح الشّرّيرة، و"هيئته إلى زوال" (اكو 7: 31). طبعا، يشذّ عن هذه القاعدة يسوع الّذي هو "إنسان حقّا"، لكنّه ليس "مجرّد إنسان" بل ابن الله وكلمته المتجسّد. كلّنا مولود قابل للموت وميّال إلى الخطيئة. لكنّنا لم نولد مذنبين بأيّة خطيئة شخصيّة، وبالتّحديد لا بالخطيئة المنسوب ارتكابها إلى آدم. لم نولد دنسين بسبب الطّريقة الّتي يتمّ الحبل بنا بواستطها، أي الاتحاد الجنسيّ بين الوالدين. فإذا كان الاتّحاد الجنسيّ في الزّواج هو خطيئة بأيّ معنّى كان، أو سبب أيّ خطيئة أو دنس، حتّى في حالة "العالم السّاقط"، فإنّ الله، حسب ما يعلّم القدّيس المتشدّد يوحنّا الذّهبيّ الفم، يكون خاطئا، لأنّه خلقنا بهذه الطّريقة، ذكرا وأنثى، منذ البدء (4).
تعلّم الكنيسة الأرثوذكسيّة أنّه بنعمة الله، مع كلّ الأشياء الممكنة، من الممكن للاتّحاد الجنسيّ في الزّواج، حتّى في حالة الأشياء الحاضرة، أن يكون صالحا ومقدّسا وجميلا ومحبّا وطاهرا. والبرهان على هذا هو عيد حبل حنّة بمريم، (مثال آخر هو حبل أليصابات وزخريّأ بيوحنّا المعمدان)، من دون أيّ ذكر لأيّ نوع "دنس" زال بسبب عمل أو تدخّل إلهيّ خاصّ (5).
حُبل بمريم بشكل طبيعيّ، كما حبل بنا جميعا. لكن في حالتها كان الحبل فعل إيمان ومحبّة طاهرين، في طاعة لمشيئة الله، واستجابة لصلواتهما. بهذا المعنى الحبل بها طاهر ونقيّ و "بلا دنس". وثمرته هي المرأة الّتي بقيت على الدّوام العذراء الأكثر طهرا وأمّ الله.
"هلّموا لنؤلّف اليوم مصحفا روحيّا
وإذ نسبّح المسيح نقدّم بشوق هدايا لتقدمة العيد
تسبيحا مقبولا لوالدة الإله
الّتي هي افتخار جنسنا
محتفلين بالحبل الإلهيّ بها على غير أمل" (6)
"إنّ حنّة العفيفة إذ كانت قديما تصلّي بإيمان مبتهلة إلى الله
سمعت صوت الملاك مؤكّدا لها استجابة الإله طلباتها
لأنّ غير المتجسّد خاطبها علانيّة قائلا:
إنّ طلبتك دنت من الرّبّ فلا تكتئبي بل كفّي الدّموع
لأنّك ستصيرين زيتونة حسنة الثّمر
مفرعة غصنا جميلا، أعني به البتول الّتي ستزهر الزّهرة
المسيح بالجسد، مانحا العالم الرّحمة العظمى" (7)
1- يدعى العيد رسميّا الحبل بوالدة الإله، ويحتفل به في التّاسع من كانون الأوّل. هناك تقليد شعبيّ بين الأرثوذكس، يقول إنّ فترة الشّهر التّاسع تنقص يوما واحدا لتوضيح "إنسانيّة مريم المجرّدة"، على خلاف
"بشريّة ابنها المؤلّهة"، الّذي تحتفل الكنيسة بالحبل به في عيد البشارة، الّذي يقع في الخامس والعشرين من شهر آذار، تسعة أشهر تماما قبل ميلاده.
2- خدمة سحر عيد الحبل بوالدة الإله
3- تحتفل الكنيسة الكاثوليكيّة بعيد الحبل بمريم بلا دنس في الثّامن من شهر كانون الأوّل. اعتبرت الكنيسة الكاثوليكيّة "الحبل بلا دنس" عقيدة رسميّة. وتقول هذه العقيدة بأنّ الله منح مريم "استحقاقات المسيح" لحظة حبلها، فصارت حرّة من "لطخة" الخطيئة الأصليّة وتاليا صارت أمّ المخلّص، ابن الله وكلمته المتجسّد، الأكثر طهرا. بعض مدارس اللاهوت تعلّم أنّ الجنس البشريّ مذنب بالخطيئة الأصليّة لأنّها موجودة مسبقا "في آدم". والبعض يربط انتقالها إلى البشر بواسطة الحبل الّذي يتمّ بواسطة الاتّحاد الجنسيّ.
4- أنظر القدّيس يوحنّا الذّهبيّ الفم، في تيطس، العظة2
5- تحتفل الكنيسة الأرثوذكسيّة بعيد الحبل بالقدّيس يوحنّا المعمدان، سابق المسيح، في 25 أيلول، وبعيد ميلاده في 24 حزيران. ومرّة ثانية تنقص شهور الحبل به التسعة يوما واحدا. (انظر الحاشية رقم 1). ظهرت حركة في الكنيسة الكاثوليكيّة في بدء القرن العشرين تطالب الكنيسة بالقول ب"الحبل بلا دنس" بيوحنّا المعمدان، لكنّ النّجاح لم يحالفها.
6- ترنيمة سابقة من خدمة غروب 8 كانون الأول، اليوم السّابق لعيد الحبل بوالدة الإله.
7- خدمة غروب عيد الحبل بوالدة الإله.