فلنستقبله جميعنا بقلوب مستقيمة فرحين" (1)

ليس البشر الّذين خلقوا، على صورة الله ومثاله، هم فقط المدعوّون لاستقبال مجيء الرّبّ إلى العالم الّذي خلقه، بل كلّ خلائق الله مدعوّة لتشارك في استقبال سيّدها. تبشّر الليتورجيا بأنّ كلّ الخليقة تشترك بالضّرورة في تجسّد ربّها، وبدون هذا الاشتراك الفعليّ والمجّانيّ، ما أتى السّيّد.

تجسّد ابن الله جهد مشترك، إنّه تعاون بين الخالق وخليقته. إنّه مؤازرة بين الله الآب والابن والرّوح القدس من جهة، وكلّ الملائكة والحيوانات والعناصر من جهة أخرى، مع البشر في المركز كوسطاء رئيسيين بين السّماء والأرض الّذين من أجلهم صنع العالم وأعطي لهم. ما كان مجيئ ابن الله ليتمّ، ما كان تجسّد الكلمة الإله، ما كانت ولادة يسوع لو لم يشترك في هذا الحدث كلّ شخص وكلّ شيء بفرح وامتنان. وهذا ليس صحيحا فقط "مادّيا" في التّاريخ، بل صحيح أيضا "روحيّا" في حياتنا.

تقول إحدى التّراتيل المحبوبة من الأرثوذكس في غروب ليلة الميلاد. ويستمتع بها المؤمنون الممارسون ويفرحون، ويشعرون أنّ الخلائق كلّها تشارك في مجيء المسيح. تقول التّرتيلة"

" ماذا نقدّم لك أيّها المسيح

لأنّك ظهرت على الأرض كإنسان لأجلنا

فكلّ فرد من المخلوقات الّتي أبدعتها يقدّم لك شكرا

فالملائكة التّسبيح

والسماوات الكوكب

والمجوس الهدايا

والرّعاة التّعجّب

والأرض المغارة

والقفر المذود

وأمّا نحن فأمّا بتولا

فيا أيّها الإله الّذي قبل الدّهور ارحمنا" (2)

كم هو رائع أن نتأمّل في تعاون السّماويّ والأرضيّ من أجل مجيء الرّبّ. وكم هو بالغ الدّلالة والمعنى أن نرى نحن البشر ما يجب أن نقدّمه. لقد أعطينا أمّا أرضيّة بدونها ما كان ابن الله ليولد كإنسان. هذه هي عقيدة الكنيسة.

تعلّم الكنيسة الأرثوذكسيّة أنّه من غير المعقول، ومن الكفر بمكان، أنّ نقول إنّه كان باستطاعة الله أن يختار أيّة امرأة  لتكون أمّا لابنه، بدون، وحتّى ضدّ، قبولها الحرّ الاختياريّ. ومن بالغ السّوء أن نفكّر بأنّه "اختار مجرّد بطن" لكي يولد ابنه منه "كما تعبر قطرة الماء الأنبوب" على ما ادّعى بعض الهراطقة في الكنيسة الأولى، بغيرة خاطئة في دفاعهم عن سيادة الله وقوّته. عن الله الّذي "يفعل ما يريد". من الأفضل أن نعتبر أنّ مجد المخلوقات الأعظم يتمّ بتقديمها الشّكر لله بطريقة ملائمة لوجودها، بواسطة تهيئة أوضاعها لكي يصير الله ذاته واحدا منها. ما كان الفتية الثّلاثة في أتون بابل عارفين جيّدا مقدار مجد المخلوقات في العصر المسيحانيّ المقبل عندما دعوا إلى مباركة الرّبّ وتسبيحه وتمجيده إلى مدى الدّهور(3). وما كان أيّ ولد لآدم وحواء قادرا على أن يفهم إلاّ قليلا مقدار مجد الكائنات البشريّة الّذي سيتمّ عندما ستدعى امرأة "حوّاء الجديدة" وستصير، بولادتها إنسانا هو ابن الله، بالحقيقة "والدة الإله" (4)

أيضا وأيضا ستكرّر تراتيل الميلاد، وكذلك تراتيل الظّهور الإلهيّ إنّما بقوّة أكثر، هذا الموضوع بطرائق متنوّعة. كلّ الخليقة تشترك في ظهور الرّبّ على الأرض. وكلّ الخليقة تشترك في التّقديس الخلاصيّ الّذي جلبه.

" إنّ الكوكب يسبق فيشرق من المغارة

فيا أيّها الرّعاة هلّموا مع الملائكة

ويا أيّها المجوس تهيّأوا لكي تدركوه بالهدايا.

يا بيت لحم ضمّخي بالطّيب المذود المقدّس

لأنّ السّيّد يبسط عليك أشعّة لاهوته" (5)

"رنّموا يا قبائل الأمم تسبيحا ومجدا

ويا رعاة اسهروا

ويا أيّها المجوس بادروا بالهدايا بنشاط"

"أيّتها الجبال والآكام

والأودية والبقاع والأنهار

والخليقة بأسرها

عظّمي معي الآن الخالق مولودا" (6)

" لندخّر الأعمال الصّالحة في خزانة النّفوس

حتّى إنّنا بطلعة بهيّة

نرتّل للمسيح المولود هاتفين

يا أعمال الرّبّ باركوا الرّبّ" (7)