سلام الله الذي يعطيه يسوع للعالم، ليس سلاما عالميا
الفصح الشّتـوي 24
على الأرض السلام وفي الناس المسرة
عندما بشّر ملاك الرّبّ الرّعاة بفرح عظيم، بميلاد المسيح، ظهر معه جمهور من الجند السّماويّ، مسبّحين الله وقائلين، المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السّلام وبالنّاس المسرّة.
لقد أدخل التّعليم المسيحيّ، في الشّرق والغرب، هذه التّرنيمة الملائكيّة في صلواتهم، كما ردّدتها أفواه المؤمنين على مرّ العصور.
المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السّلام
اليوم بيت لحم تتقبّل الجالس مع الآب على الدّوام
اليوم الملائكة يمجدون كما يليق بالله الطّفل المولود هاتفين
المجد لله في العلى وعلى الأرض السّلام وفي النّاس المسرّة
تقول النّسخة الأصليّة للكتاب المقدّس، والّتي تأخذ الكنيسة منها استشهاداتها، السّلام على الأرض، والمسرّة لكلّ البشر. لا تقول السّلام على الأرض، والمسرّة للنّاس الصّالحين. هذه النقطة مهمّة لاهوتيّا. فالتعليم المسيحي يقول بأن الله، يعطي سلامه ومسرته لكل الناس وذلك بابنه المسيح-الماسيا.
يدشن مجيء المسيح عهد سلام نهائيا وأبديا . ذلك العهد الذي أنبأ بهأ نبياء العهد القديم. فإن الجبال تزول، والآكام تتزعزع، أما إحساني فلايزول عنك، وعهد سلامي لايتزعزع، قال راحمك الرب. أميلوا آذانكم وهلموا إليّ. إسمعوا فتحيا نفوسكم، واقطع لكم عهدا أبديا، مراحم داود الصادقة.
وأقطع لكم عهدا أبديا أني لا أرجع عنهم فأحسن إليهم، وأجعل مخافتي في قلوبهم، فلا يحيدون عني وأفرح بهم لأحسن إليهم، وأغرسهم في هذه الأرض، بالأمانة بكل قلبي وكل نفسي، وأقطع معهم عهد سلام فيكون معهم عهدا مؤبدا، وأقرهم وأكثرهم وأجعل مقدسي في وسطهم إلى الأبد، ويكون مسكني فوقهم، وأكون لهم إلها ويكونون لي شعبا. فتعلم الأمم أني أنا الرب مقدس إسرائيل إذ يكون مقدسي في وسطهم إلى الأبد.
سلام الله الذي يعطيه يسوع للعالم، ليس سلاما عالميا، إنّه كما تقول اللتورجية الأرثوذكسية في الطلبة السلامية الكبرى، السلام الذي في العلى، وقد أشار الرب إلى هذا السلام بشكل خاص عندما قال لتلاميذه قبل آلامه سلاما أترك لكم، سلامي أعطيكم، ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا.
كم هو محزن أن أناسا كثيرين، ومنهم مسيحيون كثر، مايزالون حتى اليوم، لايفهمون هذا السلام. وكم يتهم الوعاظ المسيحيون بعدم صحة كلامهم، عندما يبشرون كل سنة في عيد الميلاد بالسلام الذي جلبه يسوع للعالم منذ ألفي عام، بينما ماتزال الحروب والعداوة بين الناس قائمة حتى اليوم.
في الحقيقة لم يعد يسوع المسيح أبدا بالسلام على الأرض، بمعنى أن الشعوب لن تتحارب مع بعضها البعض، وأن الأفراد لن يتخاصموا من بعد. سلام كهذا وعدنا به المسيح في نهاية الأزمنة فقط عندما يأتي بمجده عندما يؤسس مملكة الله أبيه. آنئذ وفقط آنئذ، سوف يسود السلام العظيم الأبدي، سلام الرب الذي أنبأ الأنبياء بتحقيقه.
وحتى ذلك الزمن، سيبقى الصراع والنزاع. ويسوع نفسه، كما سبق فقال، سيكون سببا رئيسا فيه. لا تظنّوا أنّي جئت لألقي سلاما على الأرض. ما جئت لألقي سلاما بل سيفا. فإني جئت لأفرق الإنسان ضدّ أبيه والابنة ضد أمها، والكنة ضد حماتها. وأعداء الإنسان أهل بيته. من أحب أبا أو أما أكثر مني فلا يستحقني ومن أحب أبنا أو ابنة أكثر منّي فلايستحقّني، ومن لم يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقّني. من وجد حياته يضيّعها ومن أضاع حياته من أجلي يجدها...