ذهب و لبان و مر
يعتبر سجود المجوس، حكماء المشرق جزئا من احتفال الميلاد في الكنيسة الأرثوذكسيّة.
يعتبر سجود المجوس، حكماء المشرق جزئا من احتفال الميلاد في الكنيسة الأرثوذكسيّة. أيّا كانت ظروف الحادثة التّاريخيّة والفعليّة، والتّقليد الأرثوذكسي يقبلها حرفيّا، يكتسب المغزى اللاهوتيّ والرّوحيّ، لمجيئ الملوك بهداياهم، أهمية فائقة
رأينا، سابقا، كيف أن الكنيسة تشدّد على حقيقة أنّ نظام الطبيعة بكامله يشترك في إذاعة خبر ميلاد المسيح، كاشفا عن نفسه كخليفة الله. لأجل هذا تقول طروبرية العيد " إنّ الساجدين للكواكب به تعلموا من الكوكب..." السجود ليسوع كرب.
"أيّها السّيّد يا من أشرق كوكبا من يعقوب، لقد ملأت فرحا المنجمّين الحكماء المتلقفين أقوال بلعام العرّاف قديما، المتقدّمين إليك كباكورة للأمم، فتقبلتهم علانية مقدّمين لك هدايا مقبولة".
"لقد بطلت الضّلالة الفارسيّة، لأنّ ملوك المشارق، الرّاصدين الكواكب، يقدمون هدية للمسيح ملك الكلّ المولود، ذهبا ومرا مع لبان. فيا فتيان باركوه، ويا كهنة سبّحوه، ويا شعوب زيدوه رفعة مدى الدّهور".
يشهد مجيء الحكماء لحقيقة مجيء يسوع ملكا، وربّا لكلّ الشّعوب ، وليس لليهود فقط. في أشخاص ملوك فارس، ترى الكنيسةُ كلّ شعوب الأرض، وكلّ ممالك البشر.
"إنّ ابنة بابل قد اجتذبت إليها أبناء داود أسرى من صهيون، فبعثت أبناءها المجوس حاملين هدايا، ليخدموا ابنة داود المتقبّلة للإله. لذلك فلنسبّح مترنّمين وقائلين: لتبارك الخليقة بأسرها الرّبّ ولتزده رفعة مدى الدّهور".
"إنّ مجوس ملوك فارس لمّا عرفوا جليّا الملك السّماويّ مولودا على الأرض، انقادوا من كوكب ساطع، فبلغوا إلى بيت لحم، مقدّمين هدايا منتخبة، ذهبا ولبانا ومرّا، وخرّوا ساجدين، لأنّهم أبصروا المنزّه عن زمن طفلا موضوعا في مغارة".
"لتبتهج الخليقة لأنّ الخالق والإله قبل الأزل يُعرف الآن جديدا. فليستقبله المجوس بهدايا، وليهتف الرّعاة مذيعين العجب بإيمان، ولتفرح البشر مع الملاكة".
هدايا المجوس ذات دلالة خاصّة، مميّزة، وفسرّت رمزيّا في ليتورجيا العيد. فالذّهب علامة أنّ يسوع ملك إسرائيل وكلّ الكون، كما أنّه ملك ملكوت الله الآتي. هذا يشكّل جزءًا حاسما من قصّة الميلاد في الأناجيل، وسبّب هذا الأمر لهيرودس أن يقتل "جميع الصّبيان الّذين في بيت لحم وفي كلّ تخومها، من ابن سنتين فما دون، بحسب الزّمن الّذي تحقّقه من المجوس".
"ولمّا ولد يسوع في بيت لحم اليهوديّة، في أيّام هيرودس الملك، إذا مجوس من المشرق قد جاؤوا إلى أورشليم قائلين: أين هو المولود مالك اليهود؟ فإنّنا رأينا نجمه في المشرق، وأتينا لنسجد له. فلمّا سمع هيرودس الملك اضطرب، وجميع أورشليم معه. فجمع كلّ رؤساء الكهنة، وكتبة الشّعب. وسألهم : أين يولد المسيح؟، فقالوا له: في بيت لحم اليهودية. لأنّه هكذا مكتوب بالنّبيّ: وأنت يا بيت لحم، أرض يهوذا لست الصّغرى بين رؤساء يهوذا، لأنّ منك يخرج مدبّر يرعى شعبي إسرائيل".
أمّا اللّبان (البخور) فيشير إلى حقيقة أنّ يسوع هو الله، لأنّ البخّور يستخدم في العبادة، ويقدّم لله المعبود فقط.
بينما يشير المرّ إلى ربوبيّة يسوع الآتي لكي يموت كذبيحة تامّة من أجل البشر. لأنّ الأموات كانوا يمسحون بالمرّ، كما مسح يسوع نفسه بحسب الإنجيل، زمان موته.
لذلك تحتوي هدايا المجوس كلّ أسرار المسيح الأتي. وتشير إلى غاية ظهوره على الأرض. إنّه الملك القدير ، ابن داود، الّذي لن يكون لمملكته انقضاء. هو ضحيّة، حمل الله، الّذي يزيل موته خطايا العالم. وهو الله نفسه، ابن الأب الله: "نور من نور، إله حقّ من إله حقّ، مولود غير مخلوق، مساوٍ الآب في الجوهر (له الجوهر ذاته الّذي للآب)، الّذي به كان كلّ شيء، الّذي من أجلنا نحن البشر و من أجل خلاصنا، نزل من السّماء ..." كما قال دستور الإيمان.
التأمّل في المجوس وهداياهم هو جزء مُكمّل وأخير من احتفال الكنيسة في فصح الرّبّ الشّتويّ.
"إنّ ملوك الأمم، لمّا حملوا الهدايا، كبواكير لك يا من ولدت في مغارة بيت لحم، من أم لم تعرف نفاسا، أشاروا بالمر إلى المائت وبالذهب إلى عزة الملك وباللّبان إلى سمو اللاهوت".
"لمّا ولد يسوع في بيت لحم اليهوديّة، أتى مجوس من المشارق، فسجدوا له إلها متأنّسا، وفتحوا كنوزهم بنشاط، وقدّموا له هدايا كريمة ذهبا خالصا، بما أنّه ملك الدّهور، ولبانا لأنّه إله الكلّ، وكمائت ذي ثلاثة أيّام قدّموا مرّا للفاقد الموت، فهلمّوا يا جميع الأمم لنسجد للّذي ولد ليخلّص نفوسنا".