كلّ من يبغض أخاه فهو قتل نفس. أنتم تعلمون أن كلّ قاتل نفس ليس له حياة أبديّة ثابتة فيه
دم الشّهداء
تخصّص الكنيسة الأرثوذكسيّة اليوم الّذي يلي الميلاد، أي السّادس والعشرين من كانون الأول، لوالدة الإله. وتعتبره عيدا جميعا لوالدة الإله الفائقة القداسة. تكرّم الكنيسة في هذا اليوم التي بواسطتها أتى المخلص. فكلّ الخليقة تدين للرّبّ من أجل فدائها، لكنّ الرّبّ نفسه يدين لمريم الّتي بكلام بشريّ، بنعمة الرّوح القدس، جعلت مجيئه ممكنا.
كما أنّ الأيّام الثّلاثة التّالية للعيد تخصّص لتذكار الّذين قتلوا من أجل المسيح. ففي اليوم الأوّل نحتفل بتذكار الأوّل في شهداء المسيحيّة، القديس استيفانوس. وتقول ترتيلة عيده: إنّ اضطهاد المسيحيّين وموتهم نتيجة مجيء المسيح أمر لا مهرب منه. لقد أتى يسوع ليموت من أجل حقيقة الله، الّتي تتحقّق فعليّا بكاملها في بذل الإنسان من أجل أن يحيا آخرون. وفي هذا الفعل يمكن تعبير المحبّة الأكثر مشابهة لله، والممكن للمخلوقات. تلاميذ المسيح تبعوا مثاله ووجدوا فيه فرحهم، ومِلأهم الأعظم. "وصيّة جديدة أنا أعطيكم: أن تحبوا بعضكم بعضا. كما أحببتكم أنا تحبّون أنتم أيضا بعضكم بعضا. بهذا يعرف الجميع أنّكم تلاميذي، إن كان لكم حبّ بعضا لبعض" (يو13: 34-35).
"كما أحبّني الآب كذلك أحببتكم أنا. اثبتوا في محبّتي. إن حفظتم وصياي تثبتون في محبّتي، كما أنّي أنا قد حفظت وصايا أبي، وأثبت في محبّته. كلّمتكم بهذا لكي يثبت فرحي فيكم، ويكمل فرحكم. هذه هي وصيّتي أن تحبّوا بعضكم بعضا كما أحببتكم. ليس لأحد حبّ أعظم من هذا: أن يضع أحد نفسه لأجل أحبّائه. أنتم أحبائي إن فعلتم ما أنا أوصيكم به'' (يو5: 9-14).
الشّهداء أصدقاء المسيح بامتياز. ففي آلامهم، بحسب كلمات بولس الرّسول الجريئة، "أتمّوا ما نقص من آلام المسيح لأجل جسده، الّذي هو الكنيسة" (كو1: 24). وهذا صحيح تماما في حالة القدّيس استيفانوس، الّذي يسجّل سفر أعمال الرّسل قصّة استشهاده بالتّفصيل.
"إنّ استفانوس قدّم لملك وسيّد الكلّ
المولود على الأرض
إكليلا فائق البهاء
ليس مصنوعاً من حجارة كريمة
بل مزهرا من دمائه نفسها
فهلمّوا يا محبّي الشّهداء
لنجتن أزهار المديح
ونعقدها على هاماتنا
وننشر بالنّشائد قائلين:
أيّها المستنير النّفس بالحكمة والنّعمة
يا أوّل شهداء المسيح الإله
استمدّ لنا السّلامة والرّحمة العظمى".
(من حدمة غروب عيد القديس استفانوس، وكلمة استفانوس تعني الإكليل)
"أمس أقبل السّيّد بالجسد إلينا
واليوم العبد بارح الجسد
أمس ولد الملك بالجسد
واليوم العبد يرجم بالحجارة من أجله
وبها قضى أجله
أعني به استفانوس الإلهيّ أوّل الشّهداء".
(قنداق عيد القدّيس استفانوس)
"إنّ استفانوس لمّا بارح الأن الجسد
قدّم بمثابة إكليل متنفّس إليك
أيّها الملك الإله الضّابط الكلّ
يا من حلّ في الجسد
ولأجلك قد أتمّ جهاده بتشريف".
(اكسبوستلاري سحر عيد القدّيس استفانوس)
أمّا اليوم الثّالث، بعد الميلاد، فيخصّص لتذكار شهداء نيقوميديا القدّيسين الّذين رفضوا عبادة الإمبراطور الأرضي ّكملك، وبقوا أمينين على عبادة ملك السّموات الوحيد. دمهم أيضا، بحسب القول المسيحيّ القديم، صار بذار الكنيسة.
"إنّ جند الشّهداء الأبطال العشرين ألفا
أشرقوا مثل كوكب لا يغيب
منيرا بالإيمان قلوب الحسني العبادة وعقولهم
لأنّهم اضطرموا بمحبّة السّيّد الإلهيّ
فاقتبلوا بنشاط وارتياح
نهاية مقدّسة بالنّار".
(قنداق عيد شهداء نيقوميديا)
أخيرا، وفي اليوم الرّابع، نحتفل بتمجيد "بفصح" الأطفال الأبرياء الّذين ذبحهم هيرودس.
"حينئذٍ لمّا رأى هيرودس أنّ المجوس سخروا به غضب جدا. فأرسل وقتل جميع الصّبيان في بيت لحم وفي كلّ تخومها، من ابن سنتين فما دون، بحسب الزّمن الّذي تحقّقه من المجوس. حينئذٍ تمّ ما قيل بإرمياء النّبيّ القائل: صوت سمع في الرّامة، نوح وبقاء وعويل كثير. راحيل تبكي على أولادها ولا تريد أن تتعزّى، لأنّهم ليسوا بموجودين" (مت2: 16-18).
يسوع نجا من مذبحة الأولاد برحلة يوسف والعذراء إلى مصر. فقد أنذر الملاك يوسف في حلم قم وخذ الصّبيّ وأمّه واهرب إلى مصر، وكن هناك حتّى أقول لك، لأنّ هيرودس مزمع أن يطلب الصّبيّ ليهلكه" (مت2: 13).
كان المسيح منبوذا منذ أيّامه الأولى على الأرض. إذ طارده هيرودس، وأخيراً أمسكه بيلاطس الّذي ساقه إلى الموت بمعونة قادة شعبه. سب هذه العداوة المؤديّة إلى الجريمة شرحه المسيح بنفسه عندما قال إنّ "النّور قد جاء إلى العالم، وأحبّ النّاس الظّلمة أكثر من النّور، لأنّ أعمالهم كانت شريرة " (يو3:19).
تبدو رحلة يسوع إلى مصر تحقيقا لنبوءة "من مصر دعوت ابني". كما يرى الإنجيليّ إنّ إقامة يسوع في النّاصرة ضروريّة لتحقيق النّبوءة "سيدعى ناصريّا". تظهر مصر رمزيّا عدوّا لإسرائيل، بهذا يظهر كيف أنّ "خاصّته لم تقبله". كما تظهر النّاصرة "جليل الأمم" مشيرة ثانية إلى حقيقة أن الماسيّا سيأتي لكلّ الشّعوب.
السّؤال المطروح على كلّ المحتفلين بميلاد المسيح يتعلّق بعلاقتهم بالرّبّ. هل نحن مستعدون لاستقباله، ولمحبّته كما هو أحبنا، ولو أدّى بنا حبّه إلى الموت؟ أم نحن من ضمن الّذين لا يستقبلونه، معدودين مع الّذين يقتلون بكراهيتهم وإهمالهم قريبنا؟ كما قال تلميذ المسيح الحبيب: من قال إنّه في النّور وهو يبغض أخاه، فهو إلى الآن في الظّلمة... كلّ من يبغض أخاه فهو قتل نفس. أنتم تعلمون أن كلّ قاتل نفس ليس له حياة أبديّة ثابتة فيه. بهذا قد عرفنا المحبّة: أنّ ذاك وضع نفسه لأجلنا، فنحن ينبغي لنا أن نضع نفوسنا لأجل الإخوة. (1 يو 2: 9 / 3: 15-16)
"لمّا ولد يسوع في بيت لحم اليهوديّة
سقط اعتزاز اليهود
فليتهلّل الأطفال لأنّهم ذبحوا من أجل المسيح
ولتنتحب اليهوديّة لأنّه قد سمع صوت في الرامة
راحيل تنوح باكية على بنيها كما كتب
فإن هيرودس المتجاوز الشريعة بقتله الأطفال
قد أتم المكتوب
مفعما اليهودية دما ذكيا
فالأرض تخضّبت بدماء الصبيان
وأمّا الكنيسة التي من الأمم
فقد تسربلت حلّة التّطهير سرّيّا
الحقيقة قد وردت والإله قد ظهر للجالسين في الظّلام
مولودا من البتول لكي يخلّصنا".
(غروب تذكار أطفال بيت لحم)
