ونحن في فترة الاستعداد لاستقبال المخلّص لا بدّ من إدراكنا لارتباط عدّة تعاليم ووقائع بميلاده، أي بفصحة الشّتويّ. ورمزية نهر الأردن في المعموديّة، وفي الظهور الإلهي، مهمّة في تكوين مداركنا الرّوحيّة
نهرالاردن
يؤدّي نهر الأردن دورا في الكتاب المقدس. فهو قبـل أن يكون النهر الذي اعتمد المسيح فيه، هـو النهر الذي يحدّ "الأرض الموعودة". ويجب أن يعـبره الداخلــون إلـى "ألأرض الّتي تدر لبنا وحليبا وعسلا"، المكان الذي سيبارك فيه الله شعبه بحضوره الدائم.
في العهد الجديد، بروحانيته وصوفيته اللتين تحققان ملء العهد القديم، يرمز عبور نهرالأردن إلى دخول مملكة الله إلى اختبار ملء الحياة في الدهر الآتي. حقيقة أن موسى لم يتبارك بعبورالأردن، ترمز إلى حقيقة أن الناموس الموسوي بحد ذاتـه، مـا كـان قـادرا علـى منح الخلاص. كما يرمز يشوع، الذي يعني اسمه "المخلص"، وهـو الشكل العبراني لاسم "يسوع"، الذي قاد الشعب وعبر نهر الأردن معه، إلى فعل الخلاص بيشوع الجديد، أعني يسوع المسيح المخلص، في عهد النعمة.
"وكان بعد موت موسى، عبد الرب، أن الرب كلم يشوع بن نون خادم
موسى قائلا: موسى عبدي قد مات، فالآن قم اعبر هـذا الأردن أنت وكل هذا الشعب إلى الأرض التي أنا معطيها لهم" (يش1: 1-2).
تخبر رواية الكتاب المقدس أن نهر الأردن انشق ليعبره يشوع ومـن معه. فعبروا وكـان الكهنة يحملون تابوت العهد. مثلما سمح انشقاق مياه البحر للشعب بأن يعبر كما لوكان أرضا جافة، وذلك عند خروجهم من مصر.
"هُوَذَا تَابُوتُ عَهْدِ سَيِّدِ كُلِّ الأَرْضِ عَابِرٌ أَمَامَكُمْ فِي الأُرْدُنِّ. فَالآنَ انْتَخِبُوا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ، رَجُلًا وَاحِدًا مِنْ كُلِّ سِبْطٍ. وَيَكُونُ حِينَمَا تَسْتَقِرُّ بُطُونُ أَقْدَامِ الْكَهَنَةِ حَامِلِي تَابُوتِ الرَّبِّ سَيِّدِ الأَرْضِ كُلِّهَا فِي مِيَاهِ الأُرْدُنِّ، أَنَّ مِيَاهَ الأُرْدُنِّ، المِيْاهَ الْمُنْحَدِرَةَ مِنْ فَوْقُ، تَنْفَلِقُ وَتَقِفُ نَدًّا وَاحِدًا" (يش 3: 11-13).
"فَفَعَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ هكَذاَ كَمَا أَمَرَ يَشُوعُ، وَحَمَلُوا اثْنَيْ عَشَرَ حَجَرًا مِنْ وَسَطِ الأُرْدُنِّ، كَمَا قَالَ الرَّبُّ لِيَشُوعَ، حَسَبَ عَدَدِ أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَعَبَّرُوهَا مَعَهُمْ إِلَى الْمَبِيتِ وَوَضَعُوهَا هُنَاكَ. وَنَصَبَ يَشُوعُ اثْنَيْ عَشَرَ حَجَرًا فِي وَسَطِ الأُرْدُنِّ تَحْتَ مَوْقِفِ أَرْجُلِ الْكَهَنَةِ حَامِلِي تَابُوتِ الْعَهْدِ. وَهِيَ هُنَاكَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ. وَالْكَهَنَةُ حَامِلُو التَّابُوتِ وَقَفُوا فِي وَسَطِ الأُرْدُنِّ حَتَّى انْتَهَى كُلُّ شَيْءٍ" (يش4: 8-10)
بعدما عبريشوع وصحبه نهر الأردن، "عادت المياه إلـى وضعها الأول
وجرت كعادتها" (يش4: 18). صار هذا العجبا لغريب جـزءا مـن ذاكرة بني إسرائيل الحية، واحتفل الشعب بالحدث في عبادة أقامها. وترتـل
الكنيسة المزمور الذي يروي هـذا الحدث في عيد الظهور إلالهي، كرمز
مسبق لفعل الله الخلاصي الذي سيشمل كل الشعوب، وذلك بموت ابنه
المحبوب والممسوح وقيامته، الذي اعتمد في مجاري نهر الأردن.
"عِنْدَ خُرُوجِ إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ، وَبَيْتِ يَعْقُوبَ مِنْ شَعْبٍ أَعْجَمَ،
كَانَ يَهُوذَا مَقْدِسَهُ، وَإِسْرَائِيلُ مَحَلَّ سُلْطَانِهِ.
الْبَحْرُ رَآهُ فَهَرَبَ. الأُرْدُنُّ رَجَعَ إِلَى خَلْفٍ.
الْجِبَالُ قَفَزَتْ مِثْلَ الْكِبَاشِ، وَالآكامُ مِثْلَ حُمْلاَنِ الْغَنَمِ.
مَا لَكَ أَيُّهَا الْبَحْرُ قَدْ هَرَبْتَ ؟ وَمَا لَكَ أَيُّهَا الأُرْدُنُّ قَدْ رَجَعْتَ إِلَى خَلْفٍ
وَمَا لَكُنَّ أَيَّتُهَا الْجِبَالُ قَدْ قَفَزْتُنَّ مِثْلَ الْكِبَاشِ، وَأَيَّتُهَا التِّلاَلُ مِثْلَ حُمْلاَنِ الْغَنَمِ؟
أَيَّتُهَا الأَرْضُ تَزَلْزَلِي مِنْ قُدَّامِ الرَّبِّ، مِنْ قُدَّامِ إِلهِ يَعْقُوبَ!
الْمُحَوِّلِ الصَّخْرَةَ إِلَى غُدْرَانِ مِيَاهٍ، الصَّوَّانَ إِلَى يَنَابِيعِ مِيَاهٍ" (مز 114)
لقد وقف نهر الأردن أيضا مرّة عندما عبره النبيّ إيليا وتلميذه أليشع. وتذكر ليتورجيا الظّهور الإلهيّ هذه الحادثة (2 ملوك2). ومن الأردن صعد النبيّ إيليا إلى السّماء، ليعود ثانية، حسبما يقول التّقليد، ليهيّء الطّريق أمام المسيح. (أنظر مت 17: 9-13). كما أنّ نعمان السّوري طهر من برصه عندما اغتسل في مياه الأردن، وكان شفاؤه علامة لتطهير الخلاص الّذي سيعطى لكلّ الشّعوب، وليس إسرائيل فقط بواسطة المسيح (لو 4: 27). وهكذا نرى في حادثة شفاء نعمان السّوريّ أنّ لنهر الأردن دلالة خاصّة يشدّد عليها مرّة أخرى.
"فارسل إليه أليشع رسولا يقول: اذهب و اغتسل سبع مرات في الأردن، فيرجع لحمك إليك و تطهر. فغضب نعمان و مضى، و قال: هوذا قلت إنه يخرج إليّ، و يقف و يدعو باسم الرّب إلهه، و يردد يده فوق الموضع فيشفي الأبرص. أليس أبانة و فرفر نهرا دمشق أحسن من جميع مياه إسرائيل؟ أما كنت أغتسل بهما فاطهر؟ و رجع و مضى بغيظ. فتقدم عبيده وكلموه، وقالوا: يا أبانا لو قال لك النبي أمرا عظيما، أما كنت تعمله؟ فكم بالحريّ إذا قال لك اغتسل و اطهر؟. فنزل و غطس في الأردن سبع مرات، حسب قول رجل الله، فرجع لحمه كلحم صبيّ صغير و طهر" (2مل 5: 10-14).
ألا نستطيع أن نغتسل في أيّ نهر وطهر؟ وجواب الله هو لا. فقط في الأردن، في معموديّة المسيح، نطهر من كلّ خطايانا. عبر نهر الأردن فقط ندخل أرض الأحياء، مملكة الله الموعودة. بمياه الأردن المتقدّسة (المعموديّة) يقدّسنا الله إلى الأبد.
"إنّ نهر الأردن قد انكفأ راجعا قديما
بوشاح أليشع عند صعود إيليا
وانشق الماء إلى هذه الجهة وتلك
فحصلت له المادّة الرّطبة طريقا يابسة
فكان ذلك رسما للمعموديّة حقّا
الّتي بها نجوز سبيل العمر الزّائل
المسيح ظهر في الأردن ليقدّس المياه"
(طروباريّة برامون عيد الظّهور)
"إنّ اجناد الملائكة ارتعدت
لمّا شاهدت فادينا مصطبغا من عبد
ومشهودا له بحضور الرّوح
وصوتا من لدن الآب يهتف من السّماء قائلا
إنّ هذا الّذي يضع السّابق يده عليه
هو ابني الحبيب الّذي به سررت
فيا أيّها المسيح إلهنا المجد لك"
(خدمة غروب ما بعد عيدالظّهور الإلهيّ 8 ك2)
"إنّ يشوع بن نون
لمّا اجاز الشّعب وتابوت الله في الأردن
أشار رمزيّا إلى الإحسان المتوقّع
لأنّ اجتيازهما السّرّيّ
قد رمز لنا بالرّوح
إلى مثال تجسّد الصّورة
ورسم إعادة الولادة الحقيقيّة
فإنّ المسيح قد ظهر في الأردن ليقدّس المياه"
(خدمة سحر ما بعد عيد الظهور الإلهيّ 9 ك2)
"إنّ الصّابغ ارتعدت يده
لمّا لامس الهامة الطّاهرة
ونهر الأردن رجع إلى الوراء
إذ لم يجسر ان يخدمك
فإنّ الّذي احتشم من يشوع بن نون
كيف لا يجزع من خالقه
إلّا أنّك يا مخلّصنا
قد تمّمت كلّ تدبير
لكي تخلّص العالم بظهورك
أيّها المحبّ البشر وحدك"
(خدمة غروب عيد الظّهور الإلهيّ).