ظهرت نعمة الله
يجب أن نتجاوب مع نعمة الله
بنكران الأهواء العالميّة الدّنسة
الّتي هي ميولنا الشّهوانيّة...
الّتي تقودنا إلى الكراهيّة والغضب
والقلق والإحباط واليأس
تستحقّ رسالتي قدّاس الظّهور الإلهيّ، والأحد الّذي يليه، انتباهنا وتأمّلنا. تقرأ رسالة العيد من رسالة بولس الرّسول إلى تلميذه تيطس:
"لأَنَّهُ قَدْ ظَهَرَتْ نِعْمَةُ اللهِ الْمُخَلِّصَةُ، لِجَمِيعِ النَّاسِ، مُعَلِّمَةً إِيَّانَا أَنْ نُنْكِرَ الْفُجُورَ وَالشَّهَوَاتِ الْعَالَمِيَّةَ، وَنَعِيشَ بِالتَّعَقُّلِ وَالْبِرِّ وَالتَّقْوَى فِي الْعَالَمِ الْحَاضِرِ،مُنْتَظِرِينَ الرَّجَاءَ الْمُبَارَكَ وَظُهُورَ مَجْدِ اللهِ الْعَظِيمِ وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، لِكَيْ يَفْدِيَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ، وَيُطَهِّرَ لِنَفْسِهِ شَعْبًا خَاصًّا غَيُورًا فِي أَعْمَال حَسَنَةٍ"
"وَلكِنْ حِينَ ظَهَرَ لُطْفُ مُخَلِّصِنَا اللهِ وَإِحْسَانُهُ لاَ بِأَعْمَال فِي بِرّ عَمِلْنَاهَا نَحْنُ، بَلْ بِمُقْتَضَى رَحْمَتِهِ خَلَّصَنَا بِغُسْلِ الْمِيلاَدِ الثَّانِي وَتَجْدِيدِ الرُّوحِ الْقُدُسِ، الَّذِي سَكَبَهُ بِغِنًى عَلَيْنَا بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ مُخَلِّصِنَا. حَتَّى إِذَا تَبَرَّرْنَا بِنِعْمَتِهِ، نَصِيرُ وَرَثَةً حَسَبَ رَجَاءِ الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ" (تيط2: 11-14 / 3: 4-7).
كلمة ظهور في تلك الرّسالة هي الكلمة اليونانيّة (إبيفانيا)، ويعرف بها العيد في معظم اللّغات الأروبيّة يستخدم الرّسول بولس الفعل "يظهر" وجذر هذه الكلمة في اليونانيّة "إبيفانين".
ظهرت نعمة الله من أجل خلاص جميع النّاس. النّعمة الإلهيّة تشعّ لذا فإنّ شيئا ما يحدث في حياة النّاس الّذين ما يزالون يحيون في هذا العالم. ما يحدث هو أنّنا نتجاوب مع نعمة الله بأعمال اهتداء مميّزة. يجب أن نتجاوب مع نعمة الله بنكران الأهواء العالميّة الدّنسة الّتي هي ميولنا الشّهوانيّة من أجل إشباع أنانيّتنا، وشهواتنا الجسديّة، الّتي تقودنا إلى الكراهيّة والغضب والقلق والإحباط واليأس. هذه جميعها تختفي عندما تظهر نعمة الله. ويأتي بدلا منها الصّحو والتّعفّف والاستقامة واللاهوى وضبط النّفس والحريّة الدّاخليّة وتقرير المصير الاختياريّ بحسب مشيئة الله. هذه هي الحريّة الحقيقيّة الوحيدة الموجودة. كلّ "حريّة" أخرى عبوديّة بالحقيقة. لأنّ نعمة الله تحرّر، بينما قوى الشّيطان، وأعمال الذّات والجسد تستعبد.
عندما يتجاوب البشر مع نعمة الله الظّاهرة، تكون النّتيجة أحد الآمال المباركة، توقّع السّعيد لظهور آخر، إبيفانيا أخرى، هي في المطاف الأخير، "مجد إلهنا ومخلّصنا يسوع المسيح" الّذي سيتمّ في آخر الأزمنة. ظهور يسوع الأوّل لكي "يفدينا من كلّ الآثام ويطهّرنا لنفسه شعبا غيورا لأعمال حسنة" يؤدّي بنا مباشرة إلى توقّعنا الخلاصة النّهائيّة لكلّ الأشياء في مجيء الرّبّ الثّاني: الإبيفانيا الأخيريّة.
لهذا هناك ظهوران، الأوّل من أجل خلاصنا وفدائنا، وقد أكمله الله في المسيح "ليس بسبب أعمال عملناها بالبرّ، بل بسبب رحمته". والثّاني عندما "نتبرّر بنعمته" نحن فعليّا ندخل الحياة الأبديّة لملكوت الله. نشترك في الثّاني فقط بشرط أن نحبّ أوّلا، ونبرهن حبّنا بحياة إلهيّة غنيّة بالأعمال الحسنة.
يعطي الرّسول بولس التّعليم ذاته، في الرّسالة إلى أفسس، الّتي تقرأ في قدّاس يوم الرّبّ التّالي لعيد الظّهور.
"وَلكِنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا أُعْطِيَتِ النِّعْمَةُ حَسَبَ قِيَاسِ هِبَةِ الْمَسِيحِ.ذلِكَ يَقُولُ: «إِذْ صَعِدَ إِلَى الْعَلاَءِ سَبَى سَبْيًا وَأَعْطَى النَّاسَ عَطَايَا».وَأَمَّا أَنَّهُ «صَعِدَ»، فَمَا هُوَ إِلاَّ إِنَّهُ نَزَلَ أَيْضًا أَوَّلًا إِلَى أَقْسَامِ الأَرْضِ السُّفْلَى.اَلَّذِي نَزَلَ هُوَ الَّذِي صَعِدَ أَيْضًا فَوْقَ جَمِيعِ السَّمَاوَاتِ، لِكَيْ يَمْلأَ الْكُلَّ. وَهُوَ أَعْطَى الْبَعْضَ أَنْ يَكُونُوا رُسُلًا، وَالْبَعْضَ أَنْبِيَاءَ، وَالْبَعْضَ مُبَشِّرِينَ، وَالْبَعْضَ رُعَاةً وَمُعَلِّمِينَ، لأَجْلِ تَكْمِيلِ الْقِدِّيسِينَ لِعَمَلِ الْخِدْمَةِ، لِبُنْيَانِ جَسَدِ الْمَسِيحِ، إِلَى أَنْ نَنْتَهِيَ جَمِيعُنَا إِلَى وَحْدَانِيَّةِ الإِيمَانِ وَمَعْرِفَةِ ابْنِ اللهِ. إِلَى إِنْسَانٍ كَامِل. إِلَى قِيَاسِ قَامَةِ مِلْءِ الْمَسِيحِ" (أف4: 7-13).
في معموديّة يسوع في نهر الأردن، وفي خدمته اللاحقة، نزل ابن الله إلى عمق الحالة البشريّة حتّى يملأ كلّ الأشياء بذاته. وبعد نزوله، صعد إلى السّموات، آخذا إيّانا معه إلى حضرة الله، معطيا إيّانا عطايا لأجل الخدمة. وكلّ شخص عنده عطيّة مختلفة ودعوة مختلفة. مهما كانت، فإنّها معطاة من أجل بناء جسد المسيح، الّذي هو الكنيسة، من أجل تقديس الكلّ وخلاصهم. فهدف كلّ شخص هو "شخصيّة ناضجة: الوصول إلى ملء قامة المسيح".
في الرّسالة ذاتها (أفسس) يشدّد الرّسول بولس على أنّ الخلاص هو بالنّعمة بواسطة الإيمان. المسيحيّون يعبدون المسيح من أجل أعمال حسنة بهدف سام "أن تعرفوا محبّة المسيح الفائقة المعرفة" وهكذا "تمتلئوا إلى كلّ ملء الله". هذا يحدث في كنيسة المسيح "لكي الّتي هي جسده، ملء الّذي يملأ الكلّ في الكلّ" (أف1 : 23 – 2: 8-10 – 3: 19)
لقد ظهرت نعمة الله من أجل خلاص جميع البشر. الخلاص الّذي تجلبه نعمة الله في ظهورها هو أنّ كلّ النّاس يستطيعون أن يعملوا الأعمال الصّالحة الّتي عملها المسيح نفسه، ويحصلوا على ملء قامته، هكذا يمتلئون بكلّ ملء الله. يوجز الرّسول بولس هذا عن نفسه في رسالته الثّانية إلى تيموثاوس:
"قَدْ جَاهَدْتُ الْجِهَادَ الْحَسَنَ، أَكْمَلْتُ السَّعْيَ، حَفِظْتُ الإِيمَانَ، وَأَخِيرًا قَدْ وُضِعَ لِي إِكْلِيلُ الْبِرِّ، الَّذِي يَهَبُهُ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، الرَّبُّ الدَّيَّانُ الْعَادِلُ، وَلَيْسَ لِي فَقَطْ، بَلْ لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُحِبُّونَ ظُهُورَهُ أَيْضًا" (2تيمو 4: 7-8).
إذا أحببنا ظهور الرّبّ، وحقّقناه برغبتنا بأعمال صالحة، سنتلقّى أكاليلنا من المسيح، القاضي العادل، في يوم ظهوره في اليوم الأخير.
"إنّ المسيح الخلاص، قد ظهر مانحا الاستنارة
فلتبتهج السّماوات، ولتقطر السّحب عدلا
بالحقيقة للصّارخين، مبارك أنت يا إله آبائنا"
(خدمة سحر اليوم السّابق للظّهور الإلهيّ)
"إنّ المتردّي النّور مثل الثّوب
قد ارتضى من أجلنا أن يصير مثلنا
فهو يتردّى اليوم بمجاري الأردن
ليس لأنّه محتاج إلى التّطهير
بل هو قد دبّر إعادة ولادتنا في ذاته
فيا له من عجب
لأنّه يمحصنا خلوّا من نار
ويعيد إبداعنا من غير تهشّم
ويخلّص المستنيرين به
المسيح الإله المخلّص نفوسنا"
(خدمة غروب العيد)
"إنّنا إذ قد تطهّرت أجسادنا بالمجد الإلهيّ
فهلمّوا ننقّي حواسنا عقليّا
وإذ نعاين المسيح مصطبغا بالجسد
وساحقا هامة الغاش
فلنسبّحه كما يليق هاتفين نحوه
مبارك أنت يا إلهنا الظّاهر المجد لك"
(خدمة غروب اليوم التّالي للظّهور)
