كلّ النّاس خطأة
لكونهم من نسل واحد.
هذا لا يعني
أنّ كلّ النّاس مذنبون شخصيّا
ب"خطيئة آدم"
الّتي تنكر العقيدة الأرثوذكسيّة
توريث ذنبها لكلّ إنسان
تسمّي الكنيسة الغربيّة عيد دخول السّيّد إلى الهيكل بعيد تطهير العذراء مريم. ويتمّ التّركيز في العيد على اللّقاء بين المسيح الطّفل وسمعان الشّيخ وحنّة النّبيّة، وبخاصّة على مجيء العذراء إلى الهيكل لتتمّ أيّام تطهيرها. وهذا الوجه ليس غائبا عن ليتورجيا العيد الأرثوذكسيّة، لكنّه يعتبر ثانويّا أو يدرج مغزاه في الدّرجة الثّانية. فنصّ العهد القديم الّذي يتكلّم على التّطهير بعد الولادة يقرأ في خدمة الغروب، لكنّ التّراتيل لا تذكر شيئا عن تطهير والدة الإله.
" وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: "كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلًا: إِذَا حَبِلَتِ امْرَأَةٌ وَوَلَدَتْ ذَكَرًا، تَكُونُ نَجِسَةً سَبْعَةَ أَيَّامٍ. كَمَا فِي أَيَّامِ طَمْثِ عِلَّتِهَا تَكُونُ نَجِسَةً.وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ يُخْتَنُ لَحْمُ غُرْلَتِهِ. ثُمَّ تُقِيمُ ثَلاَثَةً وَثَلاَثِينَ يَوْمًا فِي دَمِ تَطْهِيرِهَا. كُلَّ شَيْءٍ مُقَدَّسٍ لاَ تَمَسَّ، وَإِلَى الْمَقْدِسِ لاَ تَجِئْ حَتَّى تَكْمُلَ أَيَّامُ تَطْهِيرِهَا.وَإِنْ وَلَدَتْ أُنْثَى، تَكُونُ نَجِسَةً أُسْبُوعَيْنِ كَمَا فِي طَمْثِهَا. ثُمَّ تُقِيمُ سِتَّةً وَسِتِّينَ يَوْمًا فِي دَمِ تَطْهِيرِهَا.
وَمَتَى كَمُلَتْ أَيَّامُ تَطْهِيرِهَا لأَجْلِ ابْنٍ أَوِ ابْنَةٍ، تَأْتِي بِخَرُوفٍ حَوْلِيٍّ مُحْرَقَةً، وَفَرْخِ حَمَامَةٍ أَوْ يَمَامَةٍ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ، إِلَى الْكَاهِنِ، فَيُقَدِّمُهُمَا أَمَامَ الرَّبِّ وَيُكَفِّرُ عَنْهَا، فَتَطْهُرُ مِنْ يَنْبُوعِ دَمِهَا. هذِهِ شَرِيعَةُ الَّتِي تَلِدُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى. وَإِنْ لَمْ تَنَلْ يَدُهَا كِفَايَةً لِشَاةٍ تَأْخُذُ يَمَامَتَيْنِ أَوْ فَرْخَيْ حَمَامٍ، الْوَاحِدَ مُحْرَقَةً، وَالآخَرَ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ، فَيُكَفِّرُ عَنْهَا الْكَاهِنُ فَتَطْهُرُ". (لاو12)
نعرف عبر الكتاب المقدّس أنّ مريم ويوسف كانا من الفقراء، لأنّهما لم يقدّما حملا ذبيحة بل زوجي حمام، كما تصوّر أيقونة العيد. وإنجيل لوقا لا يذكر شيئا عن إمكانيّة تقديم حمل. مع أنّ النّبرة اللّيتورجيّة تشدّد على اللّقاء، إلّا أنّنا نرى أيضا أنّ مريم أتت لتتمّ تطهيرها بحسب أوامر النّاموس. هذا يعني أنّ بطنها قد انفتح وأنّ يسوع ولد منها مثلما يولد سائر الأطفال من أمّهاتهم. مع أنّ الكنيسة تشدّد على بقاء مريم بعد الولادة عذراء وإلى الأبد عذراء، فإنّ العجيبة الوحيدة بما يخصّ ولادة الرّبّ هي الحبل العذريّ. لا يوجد أيّ تعليم من أيّ نوع عن عجيبة تخصّ ولادته، بالتّأكيد ما من إشارة إلى أنّه ولد من أمّه بطريقة مختلفة.
لكن السّؤال يبقى: ماذا يعني مجيء مريم "للتطهير"؟ من الواضح أنّنا لا نستطيع أن نستنتج وجود أيّة خطيئة متّصلة بحبلها بالرّبّ وولادتها إيّاه كإنسان. هذا التّفكير يأتي آليّا إذ اعتبرنا أنّ فعل العلاقة الجنسيّة يتضمّن خطيئة دوما. أمّا في حالة مريم فالإنجيل وتقليد الكنيسة واضحان. لم تقم مريم بأيّة علاقة جنسيّة. تمّ حبلها بدون معرفة رجل. بدأ الرّبّ ينمو في بطنها بقوّة الرّوح القدس. إذا ما معنى "تطهيرها"؟
يعود الجواب إلى المفهوم الكتابيّ لمعنى "التطهير"
فالكتاب المقدّس يعلّم أنّ كلّ النّاس خطأة لكونهم من نسل واحد. هذا لا يعني أنّ كلّ النّاس مذنبون شخصيّا ب"خطيئة آدم" الّتي تنكر العقيدة الأرثوذكسيّة توريث ذنبها لكلّ إنسان. إنّما تعتقد بأنّها غيّرت الطّبيعة البشريّة الّتي صارت ساقطة في عالم ساقط. صارت قابلة للخطيئة وآثارها هي الموت، المرض، الألم..... تنظر الأرثوذكسيّة إلى الإنسان كوحدة اجتماعيّة عضويّة. الطّبيعة البشريّة الّتي يحملها كلّ إنسان طبيعة "ضلّت الهدف". (أن تخطئ حرفيّا يعني أنّ تضلّ السبيل). فقدت الطبيعة البشريّة دعوتها. هذا لا يعني أنّ كلّ إنسان عندما يخطئ فهو يخطئ عن وعي وتصميم وقصد، بل إلى جانب كونه قادرا على فعل الخطيئة عن وعي وتصميم وقصد، إلّا أنّه يحمل آثار الخطيئة في طبيعته.
إذًا، كمال البشريّة خارج السّبيل. إنّها لا تتّجه إلى الهدف الّذي خلقت من أجله، الّذي هو كمال الحياة في الشّركة مع اللّه. إنّها بشريّة مائتة ممزّقة، ضالّة السّبيل، وساقطة. إنّها بتعبير معاصر، متغرّبة عن كيانها الحقيقيّ عن هدفها الحقيقيّ. والعذراء مريم كسائر الكائنات البشريّة، كانت طبيعتها خاضعة للسّقوط وللموت ككلّ البشر لمجرّد كونها كائنا بشريّا.
يعلّم الكتاب المقدّس أنّ البشر جميعا لا محالة في حالة السّقوط في عالمنا السّاقط هذا، وأنّ طبيعتهم تحتاج إلى "تطهير" بخاصّة عندما يتوجّه الإنسان إلى علاقة مع اللّه، وعندما يكون موضوع فعل إلهيّ مباشر. فاللّه يعمل دائما في حياتنا.
وقد أوصت الشّريعة الموسويّة بعلامات حسيّة طقسيّة (كالذّبائح) للتعبيرعن طلب التّطهير من أجل التّقرّب من الله. وكانت قد حدّدت أوامر طقسيّة كثيرة للأوقات الحساسّة المتّصلة بالحياة عند الإنسان كالموت والولادة والطّمث والإلقاح...، بغية تطهير المؤمن ليصير قابلا لفعل اللّه فيه.
هذا هو فهم الكتاب المقدّس والممارسة الطقسيّة "للتطهير". هكذا يتّضح الجواب عن السّؤال المطروح سابقا: لماذا أتت العذراء المباركة إلى الهيكل "لتتطهّر"؟ ولماذا كلّ الّذين يتبعون مثالها سيفعلون الأمر ذاته. لم تأت إلى الهيكل لأنّها ارتكبت فعلا خاطئا، بخصوص ولادتها المخلّص. لقد أتت لتظهر أنّها كائن مائت وبحاجة إلى الخلاص مع كلّ الخليقة. كانت مختارة لتكون المشارك الأكثر فعّاليّة في عمل اللّه الخلاصيّ: تجسّد ابن اللّه الحقّ.
أن تستلزم المشاركة في "تطهير" كهذا لهو فعل فرح أعظم وشكر أعظم. إنّه أيضا فعل يجلب المجد الأعظم والشّرف الأعظم للّتي هي "الأطهر".
"يا والدة الإله العذراء، رجاء كلّ المسيحيّين
احمي واحفظي وخلّصي
كلّ الّذين يضعون رجاءهم عليك"
"لنعظّم أيّها المؤمنون
الابن البكر كلمة الآب الأزليّ
المولود بكرا لأمّ لم تعرف رجلا
إذ قد شاهدنا في ظلّ النّاموس والكتاب رسما
وهو أنّ كلّ ذكر يفتح مستودعا يدعى قدّوسا لالله"
"يا والدة الإله العذراء
يا معونة العالم الصّالحة
احفظينا و احرسينا من كلّ الضّيقات و الآلام"
"لقد كان يقرّب قديما فرخا حمام وزوجا يمام
فعوضا من ذلك قد قدّم الشّيخ الإلهيّ
وحنّة النّبيّة العفيفة
للمولود من البتول
الّذي يقدّم إلى الهيكل وهو ابن الآب
فخدماه معظّمين
أيّتها الأمّ العذراء النّقيّة
لقد تمّ فيك ما يفوق
فهم الملائكة والبشر المائتين"
"إنّ سمعان هتف قائلا
لقد منحتني أيّها المسيح بهجة خلاصك
فخذ إليك عبدك الثّاوي في الظّلال كارزا الهيّا
ومسارا جديدا للّنعمة
معظّما إيّاك بالتّسبيح"
"إنّ الحمامة النّقيّة
أمّ الحمل الّتي بلا عيب
تجلب الرّاعي والحمل إلى هيكل اللّه"
"إنّ حنّة النّبيّة العفيفة
والشّيخة البارّة
قد اعترفت كما يليق باللّه
شاكرة السّيّد في الهيكل جهازا
وكرزت بوالدة الإله وعظمتها أمام جميع الحاضرين"
(الأودية التّاسعة من قانون السّحر، يرتّل أيضا في قدّاس عيد دخول الرّبّ إلى الهيكل)