العائلة كنيسة ٤


الولادة والأمومة



الولادة والأمومة

 في العهد القديم كان انتظار مولد المسيح يقدس الولادة . أما في العهد الجديد فميلاد المخلص يقدسها ويكشف عن امكانيات المرأة الخفية . وعلى ضوئه تظهر العلاقة المباشرة بين الخطيئة الأصلية والتخلص منها والرجوع إلى حالة الانسان الأولى المفقودة . إن الخطيئة هي مخالفة الشريعة الالهية وبالأخص هي نكران التبني الالهي الذي يوصل إلى الفردية المطلقة . فالحقيقة الكاملة هي : « أنتم جميعكم آلهة ، أبناء للعلي » . أما عبارة الخطيئة فهي : "ستصيرون شبيهين للآلهة " ، الخطيئة إذاً رفض نعمة الألوهية الكاملة الحاصلة بالتبني والولادة السرية .

 لذا يعيد الميلاد الالهي ( ولادة يسوع ) النظام المقلوب ويكون بواسطة الأمومة الشرط الروحي الأساسي لخلاص المرأة . الأمومة تظهر نوعاً خاصاً من الانسحاق Kenosis . فالأم تعطي نفسها لولدها ، هي تموت جزئياً من أجله وتتبع هذا محبة الاله المتنازل وتردد كلمات يوحنا المعمدان : "يجب أن ينمو هو وان انقص أنا " . الأم تبذل حياتها في سبيل أولادها و "ليس حب أعظم من أن يبذل أحد حياته من أجل من يحب " . إن تضحية الأم لمن أعظم التضحيات التي يستطيع البشر أن يقوم بها لأن فيها الحربة التي يتكلم عنها سمعان الشيخ والتي اخترقت نفس والدة الإله .

 وكل أم تضحي من أجل ولدها هي تحضن يسوع المصلوب . إن تكريم والدة الإله ينطلق من تكريم الكنيسة عروس الحمل ( المسيح ) ، وهو يعبر عن دعوة الأمومة العالمية وصفتها الأساسية التي هي الحماية والعطف والاعانة .

هنالك في معترك الحياة أشخاص يتزايد عددهم يوماً عن يوم ، هم يعيشون في عزلة ويتألمون . إن وجودهم هو تأنيب شديد وفي الوقت نفسه دعوة للعائلة المسيحية كي تفصح عن طبيعتها ككنيسة منزلية ، وتعلن عن ذاتها كقوة حنان ورحمة .

 وبصورة خاصة تستطيع العائلات التي لا أولاد لها أن تعمل في هذا الحقل لنشر المحبة الروحية الكامنة فيها . إن كنوز الحنان البشري لا تستطيع أن تبقى في الخفاء منكمشة على نفسها ، بل هي بطبيعتها ككل القوى الروحية تخترق كل الحدود وترتفع عنها وتحلق .

 إن تلك العائلات الصامتة حيث لا يسمع صوت الصغير يسكب عليها المرح والسعادة غالباً ما تكون تعسة حزينة . فالزوجان بطبيعتها وطبيعة اشتراكها في الحياة ، ينتظران كائناً يسكبان عليه فرحها ، ومحبتها ويجعلان إياه سعيداً مشتركاً في سعادتها . فما أجمل وأسعد تلك العائلة التي تتبنى ولداً وتربيه : يشعر الانسان تجاه هذا الأمر أنه أمام حدث عظيم ، أمام سر محبة وتضحية يفوق بقوته نطاق العائلة الطبيعية . ليس فقط يجعلانه سعيداً بل هما يخلصانه إلى الأبد من تعاسة العزلة وآلامها . فقد أعطياه أباً وأماً ، وبوجودها حوله أكسباه وجود و الأب ، ونوره ، لا بل أكثر من ذلك ، فقد أعادا إلى الأب أحد أولاده . إن كل رجل في هذه الحياة بعيد عن الله هو كائن منعزل وعلى العائلة المسيحية ان تعطف عليه وتتبناه كابن شاطر.

30-Apr-2020