كلمة الراعي- الحياة بالمسيح تفيض واجباتها عن الزمن الذي يعيشه الإنسان




كلمة الراعي

             (الحياة بالمسيح تفيض واجباتها 

              عن الزمن الذي يعيشه الإنسان)

الإخوة والأبناء الأحباء،

ينقسم الزمن الى أقسام عديدة، الثواني، والدقائق، والساعات، واليوم، والأسبوع، والشهر، والسنة، والعقد، والعصر، والقرن، وغير ذلك من المسمّيات، ولكن كل هذه عبارة عن تقسيمات، وتوزيعات بشريّة تعتمد على تعاقب حوادث ليس للإنسان بها علاقة، بل إتخذها الإنسان مادة لقياس الحوادث، وما تستهلكه من جهاد وتعب، وكلها عند الله عبارة عن لحظة في الحياة الأبديّة.

يظن الإنسان أنَّه هو الذي يحيا وباختياره، وبملئ إرادته، وبكل تأكيد هذا الإعتداد هو كلام فضفاض فيه بعض الحق. فالإختيار هنا ليس حريّة إختيار، بل تفضيل بين حياة فاضلة، أو حياة غير فاضلة. لأن الإنسان إبن مجتمعه، وثقافته، وما يختزنه عقله من أفكار، ومعطيات يجمعها من هنا وهناك، إما مقلداً أو متبنياً لها، وبالتالي يدخل معترك شيء موجود إما في المجتمع فيساير أهله، وإما متبنياً الفكرة، وبالتالي يقومها بشخصه حياة، وفي كلا الحالتين هو ليس حراً فقد إرتبط بشيء موجود.

الرسول بولص يقول: "لست أنا أحيا، بل المسيح يحيا فيّ". وفي أعمال الرسل جاء: "الذي به نحيا، ونوجد، ونتحرك". ثم يعقب الرسول بولص ويقول: "خير لي أن أنطلق (أموت)، والموت بالمسيح ربح لي". فالرسول بولص هنا يختار ما هو موجود، ويفضّل الأفضل على أن يذهب مع التيار العالمي السائد وقتئذ. فقد إختار النوع الأمثل، وهو أن يحيا مع المسيح، ولكن هل يستطيع الزمن أن يحتوي على كل أحداث الحياة مع المسيح. بدءاً من الزواج الى الولادة، والمعموديّة، والصلوات الخاصة، والجماعيّة إضافة للأصوام الأسبوعيّة، واليوميّة، والإنقطاعيّة التامة التي يقوم بها الرهبان، وبعض الناس. ثم لنعود لبقيّة الأسرار، ثم الأعياد، والأفراح الدينيّة وصولاً أنواع الأطعمة المرتبة في الأعياد السيديّة، وبعض أعياد القديسين الكبار ذوي التأثير المباشر في حياة الإيمان، والتاريخيّة.

إذا عددنا هذه الأعياد، والأحداث الإيمانيّة، إضافة لما تفرضه من حياة إجتماعيّة، وتبادل اللقاءات لوجدنا أن الإنسان يحتاج أن يكون يومه أسبوعاً كاملاً لو أقيمت كل واحدة على حدة، وليس بتداخل بعضها مع بعض.

فالإنسان المؤمن يحيا بعضها متداخلاً مع بعض، ومع هذا لا يجد الوقت للقيام بعمله الإجتماعي، والثقافي، والإقتصادي إلا بمرافقتها.

في الأديار عندما يبخر الكاهن الحاضرين في صلوات السحر، أو الغروب، أو القداس يقوم بتبخير الأماكن التي يغيب عنها الرهبان بسبب العمل، أو المرض، أو إهتمامات أخرى تخص حياة الجماعة. حتى هؤلاء الغائبين لا ينقطعون عن الصلاة، والتفكير بكيفيّة مداومة حضورهم في حضرة المسيح.

لقد فاضت البرامج الروحيّة عن زمن الإنسان المؤمن، وذلك لرعاية وتدبير حياة المؤمنين، ولكي لا يبقى للعالم مجال للتدخل في حياتهم، وأهم مثال على ذلك عيد الميلاد الذي وضع مكان عيد وثني آخر هو عيد الشمس. وبالتالي لكي يمتنع المؤمنون عن المشاركة في العبادات الوثنيّة بأي علّة كانت. كما تبنت الكنيسة الطواف الديني في الشوارع في أعياد ومناسبات معيّنة. كان قد اخترعها الهراطقة لنشر بدعهم وتعاليمهم، وتحبيبها للناس، وألفوا حولها الأشعار والنشائد لتقريبها من أذهانهم.

إذا راقبنا حياة المسيحيين نجد تفاوتاً في اختيار ما يريدون من حياة الإيمان وحوادثه.

مثلاً الصلوات تقام في الكنيسة سبع مرات، أو هكذا يفرض التيبيكون (كتاب الترتيبات)، ولكن كم كنيسة ورعيّة تقيمها كاملة. فقط في الأديار، وفي بعض الرعايا، ولا صلاة واحدة إلا مرّة في الأسبوع يوم الأحد، وفي الأعياد الكبرى. هذا إذا توفر الكاهن.

من يعرف عن الإيمان أشياء؟ إلا القلّة؟ والناس لاهية عن الإيمان وثماره بما يقدمه لهم العالم. (يتبع)

                  +المتروبوليت باسيليوس منصور

                          مطران عكار وتوابعها

05-Mar-2021