كيف نفهم قصّة المرأة الكنعانيّة


الحوار بين الرّبّ وتلاميذه والمرأة الكنعانيّة على أساس حوار ذي نمط أدبيّ، يستعمل في كثير من الأحيان

لتبيان عظمة شيء مرفوض لأسباب نفسيّة، دينيّة، أو اجتماعيّة. 

يمكنكم الاستماع من خلال الرابط: 

https://on.soundcloud.com/pJ4EJ



كلمة سيادة المتروبوليت

باسيليوس منصور الجزيل الاحترام

في افتتاحية البشارة

في الثامن عشر من شباط عام 2024

كيف نفهم قصّة المرأة الكنعانيّة؟

       باسم الأب والابن والرّوح القدس

أيّها الإخوة والأبناء الأحبّاء،

كثيرون يظنون أنّ الكتاب المقدَّس عامّة، والإنجيل خاصّة، عبارة عن كتب تؤرخ لحوادث تخصُّ جماعات أو أشخاصا، وبناء عليه يستخلصون العبر والتّعليم.

وكثيرون أيضا يعتبرون هذه الكتب عبارة عن كتب لاهوتيّة،  وبالتّالي يفقدونها بعدها التّجسّديّ ويغوصون في عالم الرّوح، وهناك البعض ممّن يلقون نظرة سياسيّة على الكتب المقدَّسة غير عالمين أنّ النبؤات تأخذ أبعادها وحقيقتها بيسوع المسيح الّذي قال لقد تمَّ. قالها وهو على الصّليب عانيا بذلك أنّ النّبؤات كلّها قد تمّت به. وهو القائل على لسان الرّسول بولص لا ذكر ولا أنثى، لا عبد ولا حرّ، لا يهوديّ ولا يونانيّ، الكلّ واحد في المسيح.

وبدون فهم كامل للعقليّة اليهوديَّة التّلموديّة في كلّ حين، ووعي كامل لكلّ الدّعوة المسيحيّة، من الصّعب أن نفسِّر صعوبة الكلام الّذي تفوَّه به ربّنا يسوع المسيح، وقاله للمرأة الكنعانيّة "ليس حسنا أن نأخذ خبز البنين ونعطيه للكلاب". ولن ندرك معانيه إلّا إذا أخذنا نمط الحوار بين الرّبّ وتلاميذه والمرأة الكنعانيّة على أساس حوار ذي نمط أدبيّ، يستعمل في كثير من الأحيان لتبيان عظمة شيء مرفوض لأسباب نفسيّة، دينيّة، أو اجتماعيّة. ذات الأسلوب استعمله ربّنا في مثل السّامريّ الصّالح، وأصلح فكرة اليهود عمّن هو القريب.

عقليّة الرّسل عقليّة يهوديّة، تستصعب التّعامل مع غير اليهود وخاصّة في مجالات الرّوح والدّين والنّعمة. وعلى نسق الهدف من إنجيل متّى، وهو تبيان كون المسيحيّة ديانة عالمية تحلّ مكان اليهوديّة، وتأخذ بها إلى أسمى مناحي الكمال، عمِل ربّنا يسوع المسيح مبيّنا كيف أنَّه جاء الى خاصّته وخاصّته لم تعرفه.

       فعندما قال ليس حسنا أن يؤخذ خبز البنين ويلقى للكلاب، لم يكن يقصد المرأة الكنعانيّة، بل عقليّة تلاميذه، ليؤكّد لهم أنّ الله يقيم من الحجارة أبناء لإبراهيم، وأنّ له خرافا بين الأمم سيأتي بها ويضمّها إلى بقيّة الخراف، ولكي يريهم أنّ الرّوح يعطي نعمته حيث يشاء، وأنّه لا يوجد بين اليهود إيمان يوازي الإيمان الّذي بين الأمم.

       في النّهاية أوضح لتلاميذه مقدار قبول الأمم لرسالته، وعظمة الموهبة المعطاة لهم.

       قد يتساءل شخص ما، لقد طلب تلاميذه منه أن يصرفها فلماذا تأخّر؟ لو عمل لها ما أرادت وهي تصيح في إثرهم، أي من بعيد، وقال لها ليكن لك ما تريدين، لما استفاد التّلاميذ شيئا، ولما أدركوا قوّة النّعمة الموجودة عند غير اليهود، ولما حصلوا على نعمة التّأديب الّتي حصلوا عليها من تواضع المرأة وجوابها السّامي للسّيّد المسيح.

       كم نسمع الّذين تقدَّسوا والّذين يعيشون الحياة الرّوحيّة يقولون أنّهم يرضون بالعيش بالقرب من الله، ونوال رضاه، ولو بأقلّ المستويات. ألّا يقول النّبيّ داود "خير لي أن أكون صعلوكا في بيت إلهي من أن أكون من ساكني قصور الخطأة".

       يحتجّ البعض أنّ الكلمة والتّعبير هما يهوديّان فكيف يهين الرّبّ يسوع المرأة بمثل هذا الكلام. إنّ الرّبّ يسوع استعمل الكلام لغرض سام وقد شرَّف نفسه هو بلقب ابن الإنسان فهل يحقّ لنا أن نفسَّر الكلام فقط بمساره التّاريخيّ؟

       هذا النّصّ يفهم جيّدا باستخدام المسار التّاريخيّ والبشاريّ والمسيّانيّ الإصلاحيّ. وإذا فهمنا ذلك فهما صحيحا، وملك علينا عواطفنا كالمرأة الكنعانيّة، ليكن لنا العلم اليقين، أنّنا نشفى من كلّ أمراضنا الاجتماعيّة، ولصار البلد إلى حال الاتّحاد الواحد.

         متروبوليت عكّار وتوابعها

               باسيليوس

17-Feb-2024